عادت سوق الأسهم المحلية للتعاملات أمس بعد عطلة عيد الأضحى القصيرة، وبدأ المستثمرون في إعداد عدتهم لخوض مرحلة جديدة من ''حرق الدم'' وتوتر الأعصاب بسبب التذبذب الكبير في أداء الأسهم والذي غاب عن السوق منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي·
حالة التذبذب هذه نسيها السوق تقريبا بعد القوانين واللوائح التي سنت خلال السنوات القليلة الماضية والتي عملت فعليا على الحد من المضاربات والتلاعب بالأسعار، إلا أن العام الماضي بأكلمه تقريبا وتعاملات الأيام الأولى من يناير الجاري شهدت حالة تنذر بتكرار سيناريو التسعينات الذي مازال البعض يعاني الأمرين من آثاره.
أما أسباب حالة عدم توازن السوق فيعرفها جميع من له شأن بسوق الأسهم، وهي زخم التصريحات والتصريحات المضادة التي يدلي بها بعض سماسرة السوق من جهة، ومسؤولو بعض الشركات من جهة أخرى على مدار اليوم الواحد، مما يربك السوق، ويشوش على غالبية المستثمرين وفي مقدمتهم صغار المستثمرين الذين سجلوا خسائر خلال أيام التعاملات في يناير وحده بلغت نسبتها 03% في بعض الأحيان.
مصالح السماسرة معروفة، وكذلك مسؤولي الشركات، وتكمن في تحقيق أعلى المكاسب بيعا وشراء لإضافتها إلى نتائج الأعمال السنوية أو الفصلية، حيث تدخل بعض الشركات إلى السوق بطلبات شراء قد تكون وهمية على أسهمها بهدف رفع السعر لإعادة البيع مجددا بسعر مرتفع، والعكس في حالة الشراء.
الغريب في الأمر أنه في الوقت الذي أكدت فيه كافة الجهات المعنية بالأسهم في الدولة وفي مقدمتها هيئة الأوراق المالية والسلع أهمية تعزيز مبدأ الشفافية، لوحظ خلال الأشهر القليلة الماضية، خاصة قبل إعلان بيانات الشركات تسرب بعض المعلومات عن تلك النتائج، أو توزيعات الأرباح، وهو ما يصب في مصلحة فئة قليلة من المستثمرين، فأين دور الرقابة هنا؟!
والأغرب من ذلك استخدام وسائل الإعلام سواء الصحف أو التلفزيون في توجيه السوق، وهو ما اشتكى منه الكثير في الفترة الماضية، حيث في يومين متتاليين صرح مسؤول بإحدى الشركات أن شركته سوف تحقق أرباحا طائلة، وفي اليوم التالي بدلا من نفي الخبر كما زعم، ترك الباب مفتوحا لتأكيد ما صرح به من قبل؟!
بخلاف دور وسائل الإعلام المساعد لمروجي شائعات السوق، للمستثمرين أيضا دور فيما يحدث لهم، فالاندفاع وراء التصريحات المعسولة والربح المبالغ فيه، يقنع فئة ليست بالقليلة بالبيع أو الشراء، وهي الفئة التي تكبدت خسائر كبيرة مؤخرا، وكذلك لا بد أن نكون قد استوعبنا درس نهاية التسعينات واكتسبنا منه مناعة خاصة ضد التلاعب، وهو ما لم نلحظه حتى الآن.
مصير سوق الأسهم متروك للجهات المعنية به، فهي الوحيدة القادرة على التصدي للمضاربين أو المتلاعبين به، إما بتعديل القوانين وإما بتشديد الرقابة.. وهي أمور فنية سهلة الحل، أما وسائل الإعلام فدورها يجب أن يقتصر على توضيح الصورة بكل مصداقية دون زيادة أو نقصان، ومن يدلي بدلوه في غير بئره يجب أن يحاسب خصوصا وأن الأمر متعلق أولا باقتصاد الوطن وبأرزاق العباد.