كل الدلائل تشير إلى أن إيران ستتعرض لضربة عسكرية إذا لم تخضع للشروط الأميركية في المسألة النووية. وترفض إيران صوت العقل معتقدة أنها لا تزال تلك الدولة القوية، في حين أنه في عصر العولمة لا توجد سوى قوة عظمى واحدة هي الولايات المتحدة الأميركية التي قررت اتباع سياسة الضربات الاستباقية لمعالجة ما تسميه بالإرهاب العالمي، وإيران محور من محاور الشر في السياسة الأميركية. وسواء أعجبتنا هذه السياسة أم لا، وسواء كانت ظالمة أم عادلة، تبقى هناك جملة من الحقائق التي لا يجوز تجاوزها، وأولها أنه لا ثوابت في السياسة الخارجية لأية دولة، وثانيها، أن إيران مثل سوريا وكوريا الشمالية، دولة مستهدفة من قِبل المحافظين الجدد في الولايات المتحدة. وثالثها، أن الولايات المتحدة ملتزمة بأمن إسرائيل، وإيران عنصر مهدد نووياً للمصالح الأميركية في المنطقة، خاصة إسرائيل. ورابعها، أن إيران التي عجزت عن مواجهة زلزال مدينة "بام" وطلبت مساعدة العالم، لهي أعجز عن مواجهة أميركا، وأنها - أي إيران- لن تتحمل كلفة الخراب الذي سيلحق بها فيما لو قامت أميركا وإسرائيل بقصفها. وخامسها، أن الدرس العراقي لا يزال ماثلاً أمامنا ويجب أن تتعلم إيران منه بعض الدروس.
للاعتبارات السابقة يجب أن تتخلى إيران عن هذه العنجهية الفارغة التي يغذيها العسكريون الإيرانيون وعلى رأسهم وزير الدفاع الإيراني الحالي. وعلى العسكريين الإيرانيين أن يعترفوا بعجزهم العسكري أمام الآلة العسكرية الأميركية الباطشة. وأنه لا شك أن عملية احتلال إيران غير واردة في أذهان الأميركيين، لكن، لا يوجد عاقل يخالف هذه الحقيقة المؤلمة. وأميركا قادرة على إلحاق أضرار كبيرة بالقوة العسكرية الإيرانية فعلاً لا قولاً، ويجب ألا يعتقد وزير الدفاع الإيراني أن هناك احتمال مواجهة عسكرية أرضية، لأن الأميركيين سيرسلون له الصواريخ والطائرات والقنابل بأنواعها، وما لا طاقة لجيشه بمواجهته. لقد انتهى زمن القوى الإقليمية في عصر العولمة، وإيران اليوم ليست سوى عملاق بقدمين من فخار.
مواجهة القوة العسكرية الأميركية حقيقة يجب الاعتراف بها والتعامل معها. وقبل هذه المواجهة ربما ستواجه إيران قرارات من مجلس الأمن لن تطيقها طهران، وفي ليبيا درس بليغ وقاسٍ لا يجب تجاهله. وسقوط الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية درس أشد لمن يعي حقائق التاريخ. لكن للأسف أن كثيراً من الدول مثل إيران وسوريا لا تستمع لصوت العقل.
المسألة النووية الإيرانية هي المدخل والمبرر لقصف إيران، لذلك على إيران أن تتعاون بشكل كامل، وألا تتيح للولايات المتحدة أي مبرر ولو كان تافهاً، لكي تنفذ منه وتقوم بما سيؤلم إيران ألماً شديداً، ويعرض المنطقة لآلام جديدة نحن في غنى عنها. ليست هذه دعوة للانهزام، لكنه صوت العقل الذي لا نستمع إليه كعرب ومسلمين، فنسعى إلى الحروب بسيوف من خشب في مواجهة الصواريخ والأسلحة الرهيبة. والمجال مفتوح أمام إيران بالتعاون مع الأوروبيين لحل كل الإشكالات المتعلقة بالمسألة النووية، لكن العنجهية التي يدعيها وزير الدفاع الإيراني ستؤدي بإيران إلى الكارثة، وهذا ما لا نتمناه للشعب الإيراني.