طوال القرون الثلاثة الماضية استمر التأثير البشري إلى تصاعد فيما يختص بالبيئة العالمية وذلك بسبب الانبعاثات "الأنثروبوجينية" أي التي يتسبب فيها الإنسان في انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون بحيث أضحى المناخ العالمي أكثر ميلاً للتغير والابتعاد عن سلوكه الطبيعي لقرون طويلة قادمة. وأصبح من المناسب إطلاق وصف "العصر الأنثروبولوجي" أو العصر البشري على الوقت الحاضر حيث ظل الإنسان هو المهيمن بشتى الطرق والوسائل على العصر الجيولوجي الذي تلا العصر الهولوسيني، أي تلك الفترة الدافئة التي ظلت سائدة طوال الألفيات العشر أو الاثنتي عشرة الماضية. وهذا العصر البشري يمكن أن يقال إنه ابتدأ في الجزء الأخير من القرن الثامن عشر عندما كشفت التحاليل التي أجريت على الهواء المحتبس في الثلوج القطبية عن بداية نمو تركز غازات الميثان وثاني أوكسيد الكربون في العالم.
وقد تصادف أن ارتبطت هذه الفترة أيضاً بالتصاميم المذهلة التي ابتدعها "جيمس وات" لبناء المحركات التي تعمل بالبخار. إن إدراك التأثير والنفوذ البشري المتنامي على البيئة يعود إلى فترة طويلة. وفي عام 1873 تحدث العالم الجيولوجي الإيطالي انطونيو ستوباني عن القوة "التولوريومية الجديدة" New Telluric Force التي يمكن مقارنة قوتها وشموليتها بالقوى الأرضية العظمى الأخرى. وفي عام 1926 أدرك العالم الجيولوجي الكيميائي الروسي فلاديمير فيرنادسكي مدى التأثير البشري حيث كتب يقول:"إن الاتجاه الذي تسير فيه عملية التحليل والتقييم يجب أن يوظف نحو المزيد من التفكير والتأمل في الأشكال التي أصبح لديها نفوذ متعاظم على الأجواء المحيطة". أما الفيلسوف الفرنسي والمتخصص في علوم الأرض بيير دي شاروين وبالتعاون مع فيرنادسكي فقد توصلا إلى استخدام ما أطلقا عليه "عالم الفكر" من أجل التركيز على الدور المتنامي الذي يلعبه العقل الإنساني في تشكيل مستقبل الإنسانية والبيئة التي تعيش فيها.
إن التوسع السريع في أعداد البشر وفي الاستغلال الفردي للموارد الأرضية قد قطع مسافة طويلة. وخلال القرون الثلاثة الماضية ازدادت أعداد التعداد السكاني للبشر بعشرة أضعافها إلى أكثر من 6 مليارات نسمة، وبات من المتوقع أن تصل إلى 10 مليارات في هذا القرن. أما تعداد المواشي المنتجة لغاز الميثان فقد ارتفع إلى 1.4 مليار حيوان وبات ما يقارب نصف سطح الكوكب الأرضي يستغله ويستنزفه البشر. وكذلك فإن الغابات الاستوائية الماطرة أخذت تختفي بوتيرة متسارعة وازدادت معدلات انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون لتزيد من فناء وانقراض الأنواع الحيوانية المختلفة. وقد استمرت أيضاً عمليات بناء السدود وتحويل مجاري الأنهار بشكل منتظم ومتسارع بالإضافة إلى أن أكثر من نصف كمية المياه الصالحة للشرب أصبحت مستهلكة من قبل الإنسان. أما مصايد الأسماك فقد ابتعدت وأزيلت في أكثر من 25 في المئة من مناطق المحيطات الغزيرة الإنتاج وفي 35 في المئة من الجرف القاري الدافئ.
وفي هذه الأثناء تنامى إنتاج الطاقة بأكثر من ستة عشر ضعفاً خلال القرن العشرين مما تسبب في انبعاث 160 طناً من ثاني أوكسيد الكبريت في الجو في كل عام، أي أكثر من ضعف الكمية الموجودة في الانبعاثات الطبيعية. وقد تم أيضاً استخدام المزيد من الأسمدة النتروجينية في الزراعة وبشكل أكبر بكثير من ذلك الذي أوجدته الطبيعة في جميع الأنظمة المناخية الأرضية بينما تجاوز أكسيد النيتريك الناجم عن احتراق الوقود الأحفوري والمواد الأخرى حجم جميع الانبعاثات الطبيعية. وفي نفس هذه الفترة أيضاً فإن احتراق الوقود الأحفوري والنشاطات الزراعية قد تسبب في زيادة هائلة في تركيز غازات الدفيئة وبخاصة غاز ثاني أكسيد الكربون بمعدل يتجاوز 30 في المئة كما ازداد تركز غاز الميثان بأكثر من 100 في المئة حيث وصلت هذه المعدلات إلى أعلى مستوياتها خلال الأربعمائة ألفية الماضية وأصبح من المتوقع أن تشهد زيادات أكبر في المستقبل.
وإلى الآن فإن هذه الآثار قد تسبب فيها 25 في المئة فقط من التعداد السكاني العالمي، أما النتائج السلبية فقد وقعت على كاهل الآخرين في شكل ترسبات للأحماض وسحب كيميائية ضوئية واحتباس حراري للمناخ. ووفقاً لآخر التقديرات التي أصدرتها اللجنة الحكومية لتغير المناخ فإن الأرض ستعاني من احترار متزايد بدرجة تتراوح ما بين 1.4 و5.8 مئوية أثناء هذا القرن. وإلى ذلك فإن الكثير من المواد السامة قد جرى إطلاقها في البيئة وحتى أن بعضها غير سام على الإطلاق ولكنها ألقت بأضرار جسيمة مثل كربون الكلوروفلور الذي تسبب في إحداث ثقب الأوزون. وما لم تحدث كارثة عالمية مثل ارتطام الشهب والنيازك بالأرض أو قيام حرب عالمية أو تفشي أمراض وبائية مدمرة فإن الجنس البشري سيبقى القوة البيئية المؤثرة لقرون طويلة قادمة. لذا فقد أصبح يتعين على العلماء والمهندسين الاضطلاع بمهمة عسيرة في توجيه المجتمعات نحو إدارة مستدامة للبيئة أثناء هذا العصر البشري. وهو أمر يتطلب انتهاج سلوك بشري مناسب على جميع الأصعدة وقد ي