إلى أين تقودنا هذه "الدكاكين" المتلفزة التي تبث سمومها على الهواء؟ سؤال تجد نفسك في مواجهته حين تطالع على شاشة إحدى الفضائيات العربية خلال أيام العيد برنامجاً يومياً يتخذ من السخافات محوراً. ورغم حالة الاستياء العامة من محتوى الشرائط الفضائحية التي تبثها بعض الفضائيات، فإن هناك من "يتفنن" في اختراق سقف السخافة والحماقة ليطل علينا ببرنامج يختار له مذيعة، إمكانياتها جميعها اختزلت في قوام مثير وملابس تخاطب العيون والغرائز ليطرح من خلالها أسئلة سخيفة ويتلقى اتصالات فورية للرد، وإليكم عينة من هذه السخافات: صرصور تزوج صرصورة فماذا كان شرطها للموافقة على الزواج؟!!.......... تخيلوا أن الإجابة هي أن الصرصورة أرادت "تسجيل بالوعة مجاري باسمها".
ولكم أن تتخيلوا أن أسئلة هذا البرنامج جميعها سارت على هذا المنوال السخيف، ويبدو أن بعض الفضائيات قد سئمت لعبة الكلمات الإيحائية والإسقاطات الجنسية والأجسام العارية التي لم تعد تبهر جمهورها من الشباب كثيراً، واختارت لعبة التفاهات كطريق لمواصلة إفساد الذوق العام والانقضاض على ما تبقى من عقولنا، ولذا فإننا نقول إن خطر هذا الاتجاه لا يقل تأثيراً وفداحة عن المخدرات والأفكار المتطرفة، فهناك اعتقاد بأن التفاهات الإعلامية تحرث الأرض وتمهد العقول لتقبل الأفكار المتطرفة، فالعقل حين يمل التفاهات قد ينحرف بالاتجاه المعاكس أو النقيض، وبين التفاهات والتطرف يغيب أي دور للإعلام القادر على مخاطبة أجيالنا الجديدة من دون تزمت أو إسفاف وابتذال.
من الواضح أن التعاطي قانونياً مع هذه الممارسات غير ذي جدوى، فالقوانين فتحت الباب أمام وجود هذه القنوات ولكنها لم ترسم لها حدوداً واضحة تميز بين المقبول والممنوع. ومن الواضح كذلك أن فتح هذا الملف يثير الجدل بين مؤيد ومعارض لمسؤولية هذه النوعية من الفضائيات في تدهور القيم الأخلاقية، كما أن إغلاق الفضائيات "المخلة" لا يبدو سهلا في ظل تشابك المصالح وتعقدها، ولا داعي كذلك لاتهام هذا الجيل بالاضمحلال الخلقي والفكري والثقافي، فأبناؤنا من صنع أيدينا وعقولنا وأفكارنا وليسوا بعيدين عنا، وهم أيضاً صنيعة أنظمتنا التعليمية العقيمة، التي تشجعهم على الحفظ والتلقين والانقياد في عالم لا يعترف بالببغاوات ولا يوفر أماكن سوى للنابهين، ولذا ربما يكون الحل في وجود مواثيق شرف مهنية ملزمة للحد من هذه الحيل الرامية إلى سلب ما في الجيوب وإتلاف ما تبقى من العقول.
والحل أيضاً في فتح منافذ مجتمعية تستوعب طاقات هؤلاء الشباب وتصوغ لهم مشروعات حياتية تحتوي قدراتهم اللامحدودة، وأن نجيد فن الاستماع الغائب عن حياتنا فنحن جيل "صوت المعركة" وأبناؤنا أرادوها معركة من نوع آخر، فلنفتح لهم إذاً طاقات الأمل ولنشركهم في "معارك" التنمية أفضل من أن نمارس عادة البكاء على الأطلال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية