منذ بداية التاريخ، ارتبط القلب بالمشاعر والأحاسيس مثل الحب والكراهية، وبصفات الشخصية سواء كانت القسوة أو الرحمة، أو حتى الشجاعة والجبن. ويعود السبب في ذلك إلى أن دقات القلب تتسارع عندما تغمرنا المشاعر وتتدفق الأحاسيس، مما جعل الكثيرين يعتقدون خطأ أن القلب هو مصدر تلك المشاعر والأحاسيس. ولكن الحقيقة هي أن القلب لا علاقة له بالمرة بمشاعرنا، والمسؤول عنها هو المخ في الواقع. ويقتصر دور القلب على التأثر بتلك المشاعر والأحاسيس، مثله مثل بقية أعضاء الجسم. فالقلب لا يزيد على كونه عضلة خاصة، تطورت وتحورت لتصبح عضواً مستقلا، مهمته دفع الدم عبر الأوعية الدموية، من خلال الانقباض المتكرر والمنتظم. ولكن رغم ثبوت خطأ الاعتقاد الشائع بأن القلب مركز المشاعر والانفعالات، إلا أن الاعتقاد بأن قلب الرجل مختلف عن قلب المرأة، هو اعتقاد قد ثبتت صحته مؤخراً، وإن كان من منظور مختلف عما هو متعارف عليه تاريخياً.
ففي دراسة أجريت مؤخراً في جامعة "جون مورس" بمدينة ليفربول، اكتشف العلماء أن قلب الرجل يفقد ما يقرب من ربع قوته ما بين سن الثامنة عشرة وسن السبعين، وهو ما لا يحدث لدى النساء في نفس الفترة الزمنية. ويعتقد العلماء أن هذا الفارق بين الرجال والنساء في تدهور قوة القلب على ضخ الدم، ربما كان السبب خلف تمتع النساء بمتوسط أعمار أطول من متوسط أعمار الرجال. ففي هذه الدراسة التي أجريت على 250 من المتطوعين من الرجال والنساء، خضع كل متطوع لخمس ساعات من الفحوص والتحاليل، لقياس كل من التركيبة البدنية ومقدار ضغط الدم وقوة عضلة القلب. وبالفعل أظهرت تلك الفحوص أن تقدم السن لدى الجنسين، يترافق مع زيادة تصلب الشرايين الرئيسية وفقدانها لمرونتها، وهو ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع ضغط الدم خلال فترات الراحة وخلال فترات المجهود البدني على حد سواء. وتتناقص بتقدم السن أيضاً، كمية الدماء المتدفقة إلى العضلات والجلد والأطراف. ورغم أن هذه التغيرات تظهر على الرجال في سن مبكرة مقارنة بالنساء، إلا أن النساء يلحقن الرجال بسرعة بعد تخطيهن لسن اليأس. ولذا يظل الفارق الوحيد بين الجنسين في المراحل المتأخرة من العمر، هو أن الرجال يفقدون جزءاً كبيراً من طاقة وقدرة القلب، بينما تحتفظ النساء بقدرة وحيوية القلب بشكل ثابت إلى حد ما.
ولكن احتفاظ النساء بقوة القلب لفترة أطول من الرجال، وتمتعهن أيضاً بمتوسط أعمار أطول ببضع سنوات، لا يعني أن النساء لا يصبن أيضاً بأمراض القلب، وبالتحديد أمراض الشرايين التاجية المغذية لعضلة القلب. ففي بريطانيا مثلا، تصيب أمراض القلب 20% من النساء البريطانيات في ربيع العمر، أو واحدة من كل خمس نساء، حسب دراسة صدرت قبل عامين عن جامعة "بريستول". والغريب أن هذه الدراسة الشهيرة التي أجريت على 4.300 امرأة، لم تظهر فقط أن نسبة النساء المصابات بأمراض القلب هي أعلى مما كان معتقداً سابقاً، بل أظهرت أيضاً أن النساء المصابات بأمراض القلب، وخصوصاً من تعدت منهن سن الستين، لا يتلقين العلاج المفترض في أغلب الحالات. حيث تتلقى فقط نصف هؤلاء النساء، الأدوية والعقاقير اللازمة لزيادة سيولة الدم ومنع تكون جلطات، وتتلقى 20% منهن فقط الأدوية والعقاقير اللازمة لخفض مستوى الكوليستيرول في الدم. وليس من الواضح بالتحديد سبب انخفاض مستوى العناية الطبية المقدمة للنساء المصابات بأمراض القلب. وربما كان السبب، هو الاعتقاد الشائع بين الجميع بما في ذلك الأطباء أحياناً، بأن أمراض شرايين القلب هي مشكلة رجالية أكثر منها مشكلة نسائية.
ومما يزيد الموقف تعقيداً، أن نسبة كبيرة من هؤلاء النسوة المصابات بأمراض القلب والشرايين، لم يقمن بتغيير نمط حياتهن للتوافق مع حالتهن الصحية أو بالأحرى المرضية، أو لتقليل فرص حدوث مضاعفات خطيرة يلقين حتفهن من جرائها. فواحدة من بين كل ثمان من نساء الدراسة السابقة استمرت في التدخين بعد تأكيد تشخيصها، وواحدة من بين كل ثلاث ظلت تتمتع بوزن زائد، وواحدة من بين كل ثلاث ظلت تتمتع بضغط دم مرتفع، وتسع من بين كل عشر منهن ظللن يتمتعن بمستوى كوليستيرول مرتفع. هذه الظروف المعيشية جميعها، والمعروف عنها وقوفها خلف الإصابة بأمراض القلب، والمترافقة في الوقت ذاته مع قصور ما هو مقدم من علاج، جعلت أمراض القلب أحد أهم أسباب الوفيات بين النساء، ليس في بريطانيا وحدها بل في جميع أنحاء العالم. وهو ما يثبت خطأ الاعتقاد السائد بأن أمراض القلب والشرايين التاجية هي أمراض تصيب الرجال غالباً. فالواقع هو أن هذه الأمراض تتسبب في وفيات بين النساء، أكثر من الوفيات التي يتسبب فيها أي مرض آخر، بما في ذلك الأمراض السرطانية بأنواعها المختلفة.
وتلعب عدة عوامل أدواراً رئيسية في احتمالات إصابة المرأة بأمراض القلب. فعلى سبيل المثال، يعمل هرمون الأنوثة (الأستروجين) على حماية المرأة من أمراض الشرايين التاجية خلال فترة الخصوبة، عبر خلق توازن أفضل بين مستويات الدهون المختلفة في الدم، ومن خلال زيادة مرونة و