هل يعد العام الحالي 2005، موسماً لإحداث طفرة في العلاقات الفلسطينية- الإسرائيلية؟ يبدو الأمر كذلك، على رغم تجدد القتال والتوترات على الجانبين مؤخراً. فثمة فرصة سانحة للسلام تلوح في الأفق، إلا أنها فرصة محدودة وضيقة في ذات الوقت. وعلى حد قول الخبراء الذين تحدثت إليهم هناك، فإن أمام كل من محمود عباس "أبو مازن" ورئيس الوزراء الإسرائيلي إرييل شارون، مدة تتراوح بين ستة إلى تسعة أشهر، ليتمكنا خلالها من توطيد علاقات بناءة بينهما، من شأنها تهيئة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي للتوصل إلى تسوية سلمية للنزاع الذي طال أمده بينهما. وليس متوقعاً بالطبع التوصل إلى إنجاز كهذا، عبر قمة شاملة يدعى إليها الطرفان، وإنما عبر عملية بناء الثقة المستمر بين الجانبين، وفعل كل ما من شأنه إزالة المرارات والضغائن التي ظل يحملها كل من الجانبين تجاه الآخر، عبر الحقب والعقود المتصلة.
وسيتطلب إنجاز هذه الخطوة الجبارة، التزاماً جاداً وحقيقياً من جانب الولايات المتحدة، ودعماً من كافة الدول العربية، وعلى رأسها كل من مصر والمملكة العربية السعودية، فضلا عن تعاون الاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الأخرى مثل روسيا. أما الفلسطينيون، فلابد لهم من نافذة للأمل يطلون منها على المستقبل، شريطة أن تتضمن هذه النافذة، حرية الحركة وأملا في تحسين الأوضاع المعيشية المزرية التي يعيشها الفلسطينيون الآن. وفي الوقت ذاته، يحتاج الإسرائيليون إلى توفير ضمانات بأن حدود بلادهم ستكون آمنة وغير عرضة لأية انتهاكات من قبل المقاتلين الفلسطينيين. وهذا يعني أن على الفلسطينيين التخلي عن العنف كأداة للعمل السياسي، على أن يكون لزاماً على الإسرائيليين، الاستعداد لتقديم التنازلات عن الأراضي الفلسطينية المحتلة. وإن كانت كل هذه المهام من الضخامة والصعوبة بمكان، فقد أتيح من الظروف ما يجعل تحقيقها والتنسيق فيما بينها، أمراً ممكناً، طالما أصبح مستطاعاً إجراء التفاوض حولها.
ونشير هنا على وجه التحديد إلى الظروف التي أتاحها رحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وانتخاب الفلسطينيين لمحمود عباس "أبو مازن"، قائداً جديداً لهم، مع العلم بأنه قد نبذ العنف، وأنه مؤهل للشروع في التفاوض مع الإسرائيليين. يذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إرييل شارون، كان قد هنأه إثر فوزه في المعركة الانتخابية على منافسيه الآخرين، كما أشاد به الرئيس بوش الذي رفض التعامل سابقاً مع عرفات، باعتباره شريكاً فلسطينياً في عملية السلام. ولما كانت أمامنا الآن أفضل فرصة للسلام، تلوح في الأفق على امتداد سنوات طويلة، فمن الضروري أن نتساءل عما سيتفاوض فيه طرفا النزاع.
فإسرائيل ستحتاج من جانبها، إلى ما يؤكد اعتدال محمود عباس "أبو مازن" فعلياً. ولن تكتفي في ذلك، بمجرد ما أبداه من نبرة قوية حازمة استهدف بها تحييد العناصر المتشددة في كل من حركة حماس ومنظمة فتح التي ينتمي إليها أثناء حملته الانتخابية. ذلك أن أول وأهم ما تتطلع إليه إسرائيل هو انحسار ووقف عمليات العنف التي ينفذها المقاتلون الفلسطينيون ضد المدنيين الإسرائيليين. وعلى صعيد الفلسطينيين، تشير كافة استطلاعات الرأي التي أجريت في الآونة الأخيرة، إلى أن غالبيتهم لا تثق في شارون ولا في وعوده، ومع ذلك فهي أكثر ميلا لعقد صفقة سلام مع إسرائيل، بسبب ما عانته من ويلات ومعاناة في ظل استمرار المواجهات والعنف المتبادل بين الجانبين.
وخلافاً لهذا الاتجاه العام، ربما لا تزال حركة حماس بعيدة عن استعداد كهذا، وليس أدل على ذلك من آخر عملياتها التي نفذتها ضد الأهداف الإسرائيلية في الأسبوع الماضي. ومن هنا فإن من واجب محمود عباس أن يبذل المزيد من الجهد في سبيل إقناع حركة حماس بأن في وسعه تحقيق المطامح والأهداف الفلسطينية ، عبر الطريق السلمي وأداة التفاوض، أكثر مما تستطيع الحركة تحقيقه عبر العنف والقتال. وهذا ما يحتاج الإسرائيليون للاطمئنان عليه. ففيما لو تواصلت الهجمات الفلسطينية، فإن الخيار المستمر أمام شارون، هو الرد بقوة أعنف مما تلقاه مواطنوه من ضربات، مما يعني إعادة وتجديد دائرة العنف.
ولكن سيتطلع الفلسطينيون من جانبهم إلى اليوم الذي تضع فيه إسرائيل حداً لنقاط التفتيش التي حاصرت وقيدت حرية حركة حياتهم، وتكف فيه عن حملات الاعتقال التي طالت الآلاف، فضلا عن إيقافها لعمليات التوغل والاجتياح التي تنفذها القوات الإسرائيلية. ومما لا شك فيه أن الفلسطينيين سيشعرون بالكثير من التفاؤل والأمل، فيما لو أتيحت أمامهم فرص التجارة الطبيعية، بكل ما تعنيه بالنسبة لاقتصادهم الكاسد المدمر. وكم سيتحمس الفلسطينيون للتفاوض السلمي، إذا ما أطلقت إسرائيل سراح ما يصل إلى سبعة آلاف فلسطيني محتجز في سجونها المختلفة. ومع أنه من المستبعد جداً إطلاق سراح جماعي لكافة السجناء المذكورين، إلا أن الإطلاق المنتظم للعشرات منهم أسبوعياً، سيكون كفيلا بإعطاء الفلسطينيين شعوراً بتحسن العلاقات بينهم وبين إسرائيل.
بقي أخيراً أن نقف على