بالنسبة للعالم العربي، ربما يخلد هذا العام 2005 في الذاكرة، باعتباره عاماً للديمقراطية والانتخابات. ففي التاسع من شهر يناير الجاري، انتخب الفلسطينيون رئيساً جديداً لهم هو محمود عباس "أبو مازن". وفي الثلاثين من الشهر نفسه، سينتخب العراقيون جمعية وطنية لهم. وليست هاتان المناسبتان سوى البداية. ذلك أن الفلسطينيين سيذهبون إلى صناديق الاقتراع ثلاث مرات على الأقل قبل نهاية هذا العام، مرة لانتخاب مجالس البلديات، وتارة أخرى لاختيار المجلس التشريعي، بينما تتعلق المرة الثالثة بانتخاب قيادة جديدة لمنظمة فتح، باعتبارها الحزب السياسي الرئيسي لديهم. أما الجمعية الوطنية العراقية، فسيكون من واجبها –علاوة على تشكيل الحكومة المؤقتة- صياغة مسودة دستور جديد، تطرح للاستفتاء الشعبي في موسم الخريف المقبل، على أن تعقبه حملة انتخابية جديدة.
ولما كانت فلسطين والعراق، القبلتين اللتين انصبت عليهما أنظار العرب كافة، فلا شك أنه ستكون للنماذج التي ستتمخض عنها انتخاباتهما، أصداؤها وتأثيراتها على المنطقة العربية ككل. أضف إلى ذلك أن حملة الانتخابات هذه، ليست قاصرة على العراق وفلسطين وحدهما، في العالم العربي.
فخلال الأشهر الممتدة من فبراير وحتى أبريل، ستشهد كافة أنحاء المملكة العربية السعودية حملة واسعة النطاق لانتخابات البلديات. ولا ريب أن هذه الخطوة تمثل حدثاً سياسياً متفرداً وغير مسبوق، في تاريخ المملكة الذي لم يعرف الانتخابات يوماً.
وفي ربيع هذا العام، سيشهد لبنان انعقاد انتخاباته البرلمانية. ومع أنه ليس ثمة جديد في عقد الانتخابات البرلمانية في لبنان، إلا أن الجديد الذي ستأتي به هذه الحملة، هو احتمال حصول المعارضة على حصة كبيرة من مقاعد البرلمان المقبل. وفي وقت متأخر من العام الجاري نفسه، يتوقع أن يعقد المصريون انتخابات برلمانية، تمهيداً لانتخاب رئيس لبلادهم. وفيما لو سعى الرئيس الحالي حسني مبارك للفوز بدورة رئاسية خامسة -كما هو متوقع- فستفقد الانتخابات الرئاسية معناها، وستكون نتائجها معروفة ومرتبة سلفاً. غير أن التململ الملحوظ في مصر ربما يبعث في الانتخابات البرلمانية حمى وحيوية التنافس الانتخابي الشرس على مقاعد البرلمان. وفي اليمن وعمان أيضاً جرى تحديد موعد وجدول انتخابي في كلتا الدولتين.
يا لها من لحظة استثنائية فريدة هذه، في منطقة ظلت تعاند في رفضها لموجة المد الديمقراطي، التي ضربت كل شبر وركن من أركان العالم الأخرى. فحتى الأجزاء البعيدة النائية من إفريقيا جنوب الصحراء، تستطيع أن تتباهى بأن نسبة 40 في المئة من حكوماتها، جرى انتخابها ديمقراطياً. أما في العالم العربي، فالنسبة الانتخابية المسجلة هي صفر في المئة، من جملة 22 دولة عربية! وعليه فإن هناك من ينظر إلى هذه الحمى الانتخابية التي اجتاحت العالم العربي هذا العام، بعيون الريبة والشك. على سبيل المثال، ورد في مقال نشر مؤخراً في صحيفة "الأهرام" المصرية: ربما تبادر إلى أذهان البعض أن هذا العام، يمثل ربيع الديمقراطية في العالم العربي. غير أن الحقيقة –وهذا ما جاهر به مفكر عربي آخر متشكك- هي أن كل المظاهر، لن تضيف شيئاً أو جديداً إلى واقع الحال، لأنها لا تزيد على كونها مجرد طلاء وصبغ للبيت من الخارج، مجاراة وانحناء أمام الضغوط الأميركية.
إن أهمية هذا التعليق تكمن كلها في الجزء الأخير منه. فالحقيقة أن الحرب الأميركية المعلنة على الإرهاب، بما فيها غزو العراق، قد خفضت أسهم شعبية أميركا وسمعتها إلى أدنى درجاتها في المنطقة العربية. ومع ذلك فقد لقيت استراتيجية بوش وسياساته الداعية إلى نشر الديمقراطية في أنحاء العالم العربي، صدى واهتماماً بها على الصعيد الإقليمي. وبفعل دعوة واشنطن وتمسكها بأهمية التحول الديمقراطي في المنطقة، معززة بالمبادرات الاقتصادية والدبلوماسية الأميركية، إلى جانب الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، فقد اضطرت الحكومات الشمولية القابضة إلى الانحناء أمام الضغوط، في حين قويت شوكة دعاة التغيير والإصلاح. من هنا ربما لا يبدي بعض العرب سرورهم من أن تجيء هذه الانتخابات مدفوعة بقوة الضغوط الأميركية. غير أن هذا الاعتبار، لا يقلل مطلقاً من أهمية حركة الإصلاح السياسي التي اجتاحت المنطقة. وكما جاء على لسان أحد المستضيفين لمؤتمر الإصلاح الذي عقد مؤخراً في الإسكندرية: إذا أعلنت أميركا أنها ضد الفساد، فهل يعني ذلك أن علي أن أكون داعية للفساد، من باب المعارضة لكل ما هو أميركي لا أكثر؟
صحيح أن معظم الانتخابات التي ستجري في المنطقة خلال العام الجاري، لن تخلو من نقاط الضعف وممارسات الفساد. فالعنف الجاري في العراق سيحرم الكثير من الناخبين من الوصول إلى صناديق الاقتراع. وفي فلسطين، لم يكن "أبو مازن" ليواجه تحديات انتخابية ومنافسة جادة تذكر. أما الحكومة السورية، فستضع الكثيرين من الناخبين اللبنانيين في جيبها، حرصاً منها على استمرار احتلالها للأراضي اللبنانية. أما مجالس البلديات السعودية، فسي