لقد أثار ظهور البرتو جونزاليس أمام مجلس الشيوخ العديد من الأسئلة التي ظلت بلا إجابات. وقبل الكشف عن المذكرة سيئة السمعة في أغسطس عام 2002 التي تغاضت عن أعمال التعذيب التي أثيرت في جلسة الاستماع لجونزاليس، كنت قد سافرت إلى سجن خليج جوانتانامو في فبراير الماضي كعضو في وفد الأمن الداخلي في الكونجرس إذ كنت أرغب في التخلص من شكوكي بشأن معاملة "أسوأ السيئين" السجناء كما وصفهم الرئيس بوش. ولقد درج أعضاء الكونجرس على السفر إلى الخارج إلى أبعد من لجان الاستماع وما تحمله العناوين الرئيسية للصحف حتى يتعرفوا على الحقيقة بأنفسهم. والآن فقد علمت من العناوين الرئيسية ومن التقارير الإعلامية الخاصة بعناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي وليس من الرحلة التي قمت بها إلى جوانتانامو أن ممارسة التعذيب كانت موجودة حتى عندما كنت بمعية بقية أعضاء الكونجرس في ذلك المكان.
وكنا نتوقع أنا وأعضاء الكونجرس الآخرون ألا نتلقى الكثير من المعلومات عن عمليات التعذيب أثناء الزيارة. ولكنني أؤكد جازمة أن لا أحد من أعضاء الوفد إلا وقد اقتنع بأن تلك التحقيقات المكثفة التي عرضت أمامنا ليست سوى مسرحية هزلية تم تصميمها وإخراجها بهدف تضليلنا وإخفاء الحقائق عنا. فمن ضمن المعلومات التي كشفت عنها القضية التي رفعها الاتحاد الأميركي للحريات المدنية أدركت أن الميجور جنرال جيفري ميلر قد فعل كل ما بوسعه لكي يعطينا أفضل صورة لما يحدث في خليج جوانتانامو، عندما كان الوفد يتابع تلك التحقيقات التي تجرى في "كامب دلتا" أحد المرافق العديدة التي تحتشد بالمحتجزين. ولقد أخطرونا بأن السجون الأخرى في الجزيرة لديها محتجزون أخضعوا لممارسات أكثر حدة مما شهدناه ولكن هؤلاء السجناء سوف يتم ترحيلهم بالتدريج من سجن أكثر صرامة إلى آخر أكثر راحة ورأفة في التعامل. وقد علمنا أيضاً أن هنالك بعض المحتجزين الذين يرفضون التعاون ولكن عندما سألنا تحديداً عن ممارسات التعذيب أجابوا بأن هذا الأمر لم يحدث على الاطلاق.
والآن فإنني أعكف على قراءة أحد تقارير مكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن المحتجزين يقول فيها أحد شهود العيان: "يتم تقييد أرجل وأيدي السجناء بالسلاسل في أوضاع بالغة السوء ولا يتم تقديم الطعام والماء لهم لفترة تزيد على 18 ساعة مما يضطرهم إلى التبرز أو التبول على أنفسهم. وإن هذا المحتجز الغائب عن الوعي تقريباً يتم تركه في داخل غرفة تفتقد إلى التهوية، ربما في درجة حرارة تزيد على المائة درجة."
وبلاشك فقد تلمسنا بعض الراحة والاطمئنان في شهادة جونزاليس تحت القسم عندما قال: "إن ممارسات التعذيب والاهانة أمر ليس مقبولا من الادارة الاميركية". ومع ذلك فإنني وجدت أنه من الصعب الاطمئنان إلى هذه التأكيدات التي ساقها جونزاليس الذي أشرف على مذكرة عام 2002 وفي نفس الوقت يقول أيضاً في شهادته الحالية: "إنني أختلف مع النتائج التي تم التوصل إليها في تلك المذكرة بشأن ممارسات التعذيب". والأهم من ذلك أن لجنتنا لم يتم تنويرها بالشكل الكافي بل أخطرونا فيما يبدو بنظام يعتمد على المكافآت والحرمان وليس على التعذيب. وكلما أصبح المحتجز أكثر تعاوناً تتم معاملته حسب مقدار ذلك التعاون عبر تقديم الحوافز ونقله إلى مرافق أفضل حالا. وأكدوا أنه بعكس عمليات التعذيب فإن هذا النموذج يعتبر الأفضل إذ من شأنه أن يؤدي إلى الحصول على معلومات استخباراتية تتسم بالمصداقية وهو أمر يبدو منطقياً.
لقد تضمنت زيارتنا المراقبة عن قرب للعديد من المحتجزين وهم يمارسون الرياضة ولعب الكرة في ميدان تحيط به الأسياج بالإضافة إلى تحقيقات أجريت مع اثنين من المحتجزين عبر إحدى النوافذ. ولقد أدهشنا أن نجد فتاة من الحرس الوطني وهي تستجوب أحد السجناء الخطرين في حوار مهذب وسلس. وعلى الرغم من أن أرجله كانت مقيدة إلا أن يديه طليقتان حتى يتمكن من تناول طبق الآيس كريم الذي قدم له. ولقد علمنا أن الفتيات على وجه الخصوص قد برهن على نجاح كبير في التعامل مع السجناء وتمكّن من الحصول على معلومات مفيدة وقيمة.
وهناك وأمام أعيننا تبادر إلى أذهاننا أن نموذج جوانتانامو قد تمكن من تحقيق النجاح. وكنا لا نتوقع أبداً أن تشهد بعض التحقيقات بما في ذلك الاجراءات القاسية في توجيه الأسئلة والمسموح بها بموجب اتفاقية جنيف. ولكنهم فيما يبدو قد نجحوا في اعطائنا صورة عن التحقيقات تتفوق بكثير على تلك التي درجنا على مشاهدتها في الأفلام السينمائية.
إن العديد من المذكرات والاجتماعات المثيرة للجدل ظهرت في العام الأول من أحداث هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وبالطبع فإن من المفهوم أن الكثير من الضغوط قد وقعت على عاتق المسؤولين لكي يتجنبوا وقوع هجوم آخر. وكذلك فقد واجهوا تحديات غير مسبوقة في الحصول على معلومات استخباراتية مفيدة من ارهابيين يتوقون إلى الموت. وكان يتعين على جونزاليس ومحاميه أن يختارا تلك السياسة التي تم استخدامها في آخر مذكرة لوزارة العدل التي تتبرأ وتدين جميع أشكال العنف والتعذيب. وعل