بعد الانتخابات الفلسطينية، تأتي الانتخابات العراقية، ثم اللبنانية، فالسودانية فالمصرية..الخ وكلُّها عام 2005. ولذلك يصحُّ أن نُسمّي العام 2005 عام الانتخابات. وكانت هناك انتخاباتٌ أيضاً في العام 2004؛ لكنّ الطابع الغالب على ذاك العام كان المؤتمرات المطالبة بالديمقراطية، والوثائق والبيانات التي صدرت عن ذلك. ثم كان العام 2004 عامَ الشرق الأوسط الأوسَع، الذي أجمع عليه الأطلسيون، من أجل تغيير العالَم العربي، وهذه المرة من الداخل كما قالوا، وليس بالفرض الخارجي! على أي حال،عندنا في العالم العربي، وفي العام2005 ثمانية انتخاباتٍ على الأقلّ، بعضها رئاسي، وبعضها برلماني، وبعضها بلدي أو محلي. ولذلك فقد ذهب مراقبون دوليون إلى أنّ العربَ يتقدمون- وإن ببطءٍ- نحو الديمقراطية. في حين لفت البعض الآخَرُ إلى أنّ الانتخابات كانت تجري لدى العرب في الأربعين سنةً الأخيرة، لكنها كانت دائماً بمثابة استفتاءات مقررة النتائج. فحتى صدام حسين جَدَّد لنفسه في انتخاباتٍ عامةٍ قبل سقوطه بشهور، وكانت النتيجة أكثر من 99%. والواقع في هذه الأحوال التي نمر بها أنّ الانتخابات لا تدعو للتفاؤل أوالتشاؤم، ولا يرجعُ ذلك لأنَّ العربَ غير ديمقراطيين، أو لأنَّ الأنظمة خالدة؛ بل لعوامل معقَّدة ومركَّبة، ويمكن استعراضُ بعضها، أي بعض تلك الانتخابات، للتدليل على ما نقصِدُه.
جرت الانتخابات الرئاسية الفلسطينية، وكانت شديدة الأهمية، ولكنها محدودة الآثار أو أنّ لدلالاتها الديمقراطية حدوداً لا يجوزُ تجاوُزُها. أتت أهميتُها من أنها أول انتخاباتٍ بعد غياب ياسرعرفات. وقد كان كثيرون ينتظرون الفوضى، وينتظرون الانقسام الساطع، ولم يحدثْ شيء من ذلك. وهذه أمورٌ مهمة. والمهم أيضاً ما دلّت عليه من إصرارٍ من جانب الشعب الفلسطيني على الحريـة والاستقــلال والدولة وبالنشــاط المدني(الانتخاب) أكثر مما هو بالمقاومة والكفاح المسلَّح. والمهمُّ ثالثاً ما أبرزتْهُ من قوىً سياسية خارج منظمة التحرير وفصائلها .فقد حصل مصطفى البرغوثي(اليساري الليبرالي) على أكثر من عشرين بالمائة من الأصوات، حماس لم تشارك لكنّ المقدَّر لها أيضاً حوالي الثلاثين بالمائة. وبذلك تبقى لفتح نسبة الـ 50% أو الـ55%.
لكنّ الانتخابات جرت من ناحيةٍ أُخرى تحت عدة إرغامات: الاحتلال الإسرائيلي، والإصرار الدولي على أنه لا حلًّ إلاّ بخريطة الطريق، ولا فريقَ لخريطة الطريق إلاّ أبو مازن. وهكذا ما كان هناك غير خيارٍ واحدٍ للناخبين في الحقيقة، أياً يكن رأُيُنا في صمود الشعب الفلسطيني وصلابته وتشبثه بالحرية والدولة. فالانتخابات الفلسطينية أُفُقٌ من آفاق الحرية الباقية، لكنها محدودةٌ بحدود هذه الحرية والتي تعني أوسلو وتعني المفاوضات المستحيلة، وتعني معبر خريطة الطريق التي يلتزم بها أبو مازن والأوروبيون ولا يلتزمُ بها الأميركيون والإسرائيليون على تواضع مُدخلاتها ومُخرجاتها.
ويختلف الأمر بالنسبة للانتخابات العراقية. فلو أنَّ الظروفَ اختلفت، لتقدمت الانتخابات خطوةً واسعةً باتجاه الديمقراطية، والوحدة الوطنية, والتحرر من الاحتلال. لكنّ الواقع أنَّ الأكراد يعتبرون الانتخابات مخرجاً من الفيدرالية أومدخلاً للاستقلال والدولة الانفصالية. ولو أنهم يستطيعون تأمين الاستيلاء على كركوك لأعلنوا الدولة قبل الانتخاب. والشيعة أو أكثريتهم تعتبر الانتخابات مدخلاً للوصول إلى السلطة بالعراق. والمعروف أنه عندما دعا السيستاني قبل سنة للانتخاب قبل الدستور؛ فإنّ ذلك كان المخرج الوحيد المُتاح للسلام والحرية.
أمّا الآن فقد تغيرت الظروف، ولا أمل قريبا بالحرية والدولة الواحدة بانتخابٍ وبدون انتخاب. والسنة يَرَون أنّ الانتخابات ستكونُ تتويجاً لعملية إخراجهم من السلطة نهائياً، مع استمرار التصدق عليهم ببعض الوظائف الحكومية. وقد قاد فريقان منهم (بقايا أجهزة الحكم السابق، والسلفيون الزرقاويون) حركة مقاومةٍ عنيفةٍ ضد الأميركيين، وضد الشرطة العراقية الجديدة والحرس الوطني، بحيث انتزعوا اعترافاً حتى من السفير الأميركي ببغداد. وسيظلون-بسبب النجاح النسْبي الذي حققوه بتكاليف باهظة-يقاومون الانتخابات أو حصولها بكل ما يملكون من وسائل، خوفاً على مستقبلهم السياسي والاجتماعي. ولذلك، لا تملكُ الانتخاباتُ العراقيةُ أيَّ ميزةٍ من ميزات الانتخابات الفلسطينية. بل هي حريةٌ أن تعمّق الانقسام، وأن تحوّل الحرب الأهلية غيرالمعلنة، إلى نزاعٍ سياسيٍ وطائفيٍ معلَن، ستكونُ له عواقبُ هائلةٌ على مستقبل العراق، عراق الدولة، وعراق المجتمع. لكنْ، إذا كانت الانتخابات تسبّبُ هذه الأضرار، فما هو المخرج من الموقف الراهن؟ جمعية علماء المسلمين السنية قالت للسفير الأميركي: المخرجُ بجدْولة الانسحاب الأميركي من العراق! ولن يوافق الأميركيون طبعاً، وهم يستعدون الآن لتخريب الموصل، كما خرَّبوا الفلّوجة والرمادي وبلداتٍ عدةً من قبل.
ومرةً أُخرى يختلف الموقف بالنسبة للانتخابات اللبنانية. إذ من الناحية الم