بدون شك أن ملايين الأميركيين قد نما إلى علمهم ما جرى من هجوم مروّع شنته المقاومة العراقية على القوات الأميركية في الموصل مؤخراً داخل أحد المتاجر الكبرى وهم يشترون هدايا أعياد الميلاد قبل لحظات من إغلاق المتجر أبوابه. لقد استمرت هذه الهجمات البشعة تشكل جزءاً من الصورة اليومية للحرب في العراق، وظل هذا الصراع المتأجج يعصف بالحياة الأميركية مثل إعصار التورنيدو الذي يدمر منزلاً في الجوار بينما يترك البقية حوله سالمة إلى أن يبدأ نشاطه مرة أخرى. وبالنسبة لأفراد الجيش في الخطوط الأمامية -ولعائلاتهم وأصدقائهم- فإن الحرب قد باتت تجترح الكثير من التكاليف والمعاناة الأليمة. أما بالنسبة لجميع أفراد الشعب الأميركي وللمسؤولين الذين أصدروا القرارات بإرسال هذه القوات إلى ميدان المعركة وساعدوا في تشكيل الظروف التي تقاتل وتموت فيها هذه القوات، فإن الحرب قد أصبحت تفرز نتائج خطيرة وغير متوقعة. ومثلما حدث إبان الحرب الأهلية الأميركية عندما كان بإمكان أحد المجندين الأغنياء أن يستأجر رجلاً فقيراً ليحل مكانه في ميدان المعركة، وما حدث في حرب فيتنام من وجود ثغرات في نظام التجنيد نفسه فإن مخاطر حرب العراق قد اتسمت بنوع من عدم العدالة المنهجي المنظم.
لقد اعتاد الجنود على أداء التحية وليس المبادرة بالشكوى، ولكن هذه الحرب قد أدت إلى إجهاد الجيش إلى الحد الذي لم يعد بالإمكان وصفها بـ"الخدمة التطوعية الوطنية". وعادة ما كان البنتاجون يحدد فترة كل مجند بالذهاب إلى مهمة واحدة فيما وراء البحار كل فترة أربع أو خمس سنوات. إلا أن ما يقارب ثلث المليون جندي أميركي الذين حاربوا في أفغانستان والعراق وجدوا أنفسهم مجبرين على الخدمة في أكثر من جولة من جولات المهام القتالية وفقاً لتقرير أصدرته مجموعة "بوسطن جلوب" في الشهر الماضي. بل إن آلاف الجنود الآخرين تفاجأوا بتمديد بقائهم في المناوبة بموجب سياسة "إيقاف الخسائر" التي تحظر عليهم ترك الخدمة العسكرية بعد انتهاء فترة تجنيدهم. أما قوات الاحتياطي وقوات الحرس الوطني اللتان درجتا على أداء المهام والمسؤوليات المحلية فقد تم إجبارهما على البقاء في العراق لأداء مهام عسكرية لوقت غير محدود. وبات جميعهم يواجه أعمال العنف الرهيبة والمستمرة في حرب أصبح إحراز التقدم فيها نوعاً من الوهم. واستمرت كل حالة إصابة أو وفاة تعمق الجروح في أوساط أفراد العائلة والأصدقاء. ولكن بالنسبة لكل مواطن آخر في أميركا فإن الحرب تمضي قدماً دون أن تلقي بتأثيرات أكثر من مجرد الضيق والأسف عند مشاهدتهم لنشرات الأخبار المسائية.
ومنذ الحرب الأهلية ظل الأميركيون يرفعون الضرائب من أجل تمويل هذه الحروب التي تخوضها الدولة. ولكن عندما يعود الكونجرس إلى دورة انعقاده في الشهر المقبل فإن أحد أهم أولويات الرئيس بوش ستنصب على إصدار تشريع يجعل من التخفيض الهائل للضرائب أمراً دائماً، وهي المبادرة التي فاز بها أثناء فترة ولايته الأولى. لذا فإن رئاسة بوش تعتبر المرة الأولى التي تلجأ فيها الولايات المتحدة إلى خفض كبير في الضرائب أثناء خوضها للحرب. ولما كانت الميزانية الاتحادية تعاني أصلاً من العجز، فذلك يعني أننا عملياً نمرر فاتورة الحرب على حساب أطفالنا عبر مراكمة الديون الوطنية.
إن الحروب عادة ما تفاجئ حتى المخططين لها بالنتائج غير المتوقعة ولكن التغاضي عن الجدل بشأن عما إذا كان تهديد صدام حسين هو الذي سوغ شن الحرب على العراق قد أدى بوضوح إلى ارتكاب العديد من الأخطاء وسوء اتخاذ العديد من القرارات. إن أسلحة الدمار الشامل التي شكلت المبرر القوي للغزو لم يتم العثور عليها، وخابت بذلك كل توقعات وكالة الاستخبارات المركزية. أما الدول الأجنبية التي افترضت إدارة بوش بأنها ستصطف خلفها ضد العراق فقد رفضت تقديم حتى الدعم المعنوي. وبعد حملة ذكية ضد الجيش العراقي التقليدي فقد تفاجأ البنتاجون بإصرار وعناد المقاومة غير التقليدية التي نشطت بعيد احتلال بغداد. وفي يونيو عام 2003 وصف دونالد رامسفيلد هذه المقاومة العراقية بأنها مجرد "جيوب لعناصر سوف تلقى حتفها". وبعد 18 شهراً فإن الجنود الأميركيين والمدنيين العراقيين ما زالوا يموتون بأعداد كبيرة على أيدي هذه "الجيوب". وكذلك فإن الفشل في وضع خطة كاملة وملائمة للقضاء على هؤلاء المتمردين ما زال يشعر به العديد من الخبراء فيما يعتبرونه النقص في الكوادر القتالية وعمليات النقل والتموين (مثل الآليات المدرعة).
والآن فإن المسؤول الوحيد في إدارة بوش الذي واجه بشجاعة النتائج الخاصة بشن الحرب على العراق هو الذي كان أكثر تردداً وتشككاً في هذه الخطوات وزير الخارجية كولن باول الذي آثر الرحيل بعد إعادة انتخاب بوش. وكان بوش في أوائل هذا الشهر قد منح ميدالية مدنية عالية الشرف وهي الميدالية الرئاسية للحرية إلى ثلاثة من مهندسي الحرب على العراق، وهم مدير وكالة الاستخبارات المركزية جورج تينيت والجنرال المتقاعد تومي فرانكز وبول بريمر رئيس الإدارة المدنية