في عدد هآرتس (15 سبتمبر 2004) صرحت شالوميت ألونى (عضو الكنيست السابق) إن قوانين نوح السبعة (والتى يشار إليها بشريعة نوح) قوانين عالمية تنطبق على كل شخص وعلى كل الأمم، وخاصة اليهود. ثم قارنت بين شريعة نوح وبعض مقولات الحاخامات اليهود المتطرفين الذين يطالبون بإراقة دم الفلسطينيين، وتساءلت عما حدث للعقيدة اليهودية التى تتسم بكثير من الجوانب الإنسانية، وهى محقة تماما فى هذا.
وشريعة نوح التى أشارت اليها، ورد ذكرها فى سفر التكوين(9/4-7)، ﺇذ حظر الإله على نوح وأبنائه عبادة الأوثان والهرطقة وسفك الدماء والزنى والسرقة وأكل لحم الحيوان الحي، كما فرض عليهم إقامة نظام قانوني، أي تنفيذ الشرائع السابقة. وهذه الشرائع ملزمة لليهود وغير اليهود، أما الأوامر والنواهي اليهودية (مثل قوانين الطعام وشعائرالسبت)، فهي ملزمة لليهود وحدهم. والذي ينفذ شريعة نوح من غير اليهود يسمى "جرتوشاف"، أى "مقيم غريب"، أو حتى "متهود"، وكان يعد من الأخيار. ومنذ البداية، وصفت الكتابات الدينية اليهودية المسلمين على أنهم من "النوحيين" أي من غير المشركين (ثم ضم إليهم المسيحيون فيما بعد).
ومن الجوانب الإنسانية الأخرى بعض تصورات العقيدة اليهودية للإله، فهو رب الجميع الذي يبارك كل الشعوب، ولذا فالرؤيا الخاصة بالخلاص تضم كافة الشعوب. وعندما تنبأ النبي أشعيا بالسلام، فإنه رسم صورة لسلام عالمي يشمل "جميع الأمم"، سلام "لن يرفع فيه شعب سيفا ضد شعب، ولن يتعلموا بعد الآن الحرب" (أشعيا 2 : 4). وسوف يشمل السلام الجميع لأن كافة الشعوب هم أبناء الرب: "مباركة هي مصر شعبي، وآشور صنع يدي، واسرائيل ميراثي" (أشعيا 19 / 25).
وثمة نص في التلمود لا يختلف كثيرا في إنسانيته، فقد جاء فيه أن الروح القدس تستقر على الجميعي، اليهودي وغير اليهودي، الرجل أو المرأة، العبد والجواري، كل امرئ "حسب أفعاله". كما جاء في أحد كتب التلمود أن أحد الحاخامات أوصى بإطعام فقراء الأغيار مع فقراء اليهودي، "وبزيارة مرضاهم مثلما نزور مرضانا، وأن يدفن موتاهم مع موتانا حتى ندعم سبل السلام".
ولنأخذ مفهوما محوريا فى الصهيونية وهو مفهوم العودة أو "تجميع المنفيين"، وهو مصطلح ديني يشير إلى فكرة عودة كل أعضاء الجماعات اليهودية المنفيين أو المنتشرين في أنحاء العالم إلى فلسطين، وتجميعهم هناك. لكن تجميع المنفيين (حسب التصور اليهودي الأرثوذكسي التقليدي) هو مثل أعلى ديني لا يتحقق إلا بعد عودة الماشيح (المسيح المخلص اليهودي) كما لا يتحقق إلا بإرادة الإله، وعلى المؤمن أن ينتظر بصبر وأناة إلى أن يأذن الإله بذلك. واليهودي الذي يحاول أن يعود بارادته ودون انتظار للأمر الالهي بالعودة يرتكب خطيئة "التعجيل بالنهاية" وهي ترجمة للعبارة العبرية "دحيكات هاكتس"، ومعناها "الضغط على الإله لإجبار الماشيح على المجيء".
ويرتبط بهذا المفهوم للعودة عدة مفاهيم خاصة بإعادة بناء الهيكل. فالرأي الفقهي الغالب هو أن اليهود يتعين عليهم أن ينتظروا إلى أن يحل العصر الشيحاني، أى بعد عودة الماشيح بمشيئة الإله فى آخر الأيام، أي أن إعادة بناء الهيكل مرتبطة بالرؤى الأخروية لا بالتاريخ الإنساني. ولهذا فقد تم تدوين شعائر العبادة القربانية التي تقام في الهيكل في التلمود. كل هذا يعني ألا يتعجل اليهود الأمور ويقوموا بإعادة بنائه. بل ويذهب موسى ابن ميمون إلى أن الهيكل لن يبنى بأيد بشرية، كما يذهب راشي، أهم فقيه يهودي أشكنازي في العصور الوسطى، إلى أن الهيكل الثالث سينزل كاملا من السماء.
ولنأخذ مفهوما آخر وهو أن اليهود شعب مختلف، "شعب مختار" لايمكنه التعايش مع الشعوب الأخرى. ولكن كلمة "شعب" كما وردت فى النصوص الدينية اليهودية لا تعني شعبي بالمعنى العرقي أو الاثني الحديث. "فالشعب اليهودي" فى اليهودية تعبير ديني يشير إلى طائفة المؤمنين المخلصين الذين يتوجهون بايمانهم الى رب حقيقي واحد، والذين يتوقف انتماؤهم إلى هذه المجموعة البشرية على شرط طاعتهم لأوامر الرب. والمفهوم الحاخامي للشعب هو طائفة المؤمنين الذين يقوم ايمانهم على الميثاق أو العهد الديني بين الرب وشعبه. فهذا الشعب قد ظهر الى الوجود نتيجة الالتقاء مع الرب الذى لا اسم له، وهو ما يزال باقيا نتيجة لسبب واحد فقط، وهو استمراره في الإخلاص لهذا اللقاء (على حد قول ايميل فاكنهايم، عالم اللاهوت اليهودى المعاصر).
وتأسيسا على الحقيقة القائلة بأن اليهود هم شعب التوراة وليسوا شعبا ينتمي لأرض معينة، يصبح مطلوبا من اليهودي – في أقوال حكمائه وأنبيائه – أن يحيا في سلام مع "مدينة الأرض"، أي في أي مجتمع توجد فيه الجماعة اليهودية، مثله في هذا مثل جميع البشر. ومنذ أكثر من 2500 سنة، قال النبي أرميا: "لنسع الى مافيه خير المدينة، ولنصل للرب من أجلها، لأنه في خيرها ستحيا أنت حياة طيبة.
وقد طور الحاخامات مفهوم "شريعة الدولة هي الشريعة" وهي الترجمة العربية للعبارة الأرامية "دينا دي ملكوتا دينا"، وهي من أهم الم