عيدكم مبارك كما نقول في الإمارات، وتقبل الله من الحجاج سعيهم، وإلى أن يكتب الله لنا ذلك دعونا نفكر فيما يفعل الحجاج لعلنا نؤجر بالتشبه بهم. وهذا لا يعفينا من الحج فهو فرض على المسلم المستطيع.
أول درس نتعلمه من الحج هو درس المساواة. فالحاج الذكر تحديدا مطالب بالتخلص من لبس الشهرة الذي يميزه عن غيره من البشر كي يكون متساويا معهم في الهيئة والعمل فلا يعرفه أحد من لبسه فيميزه بمعاملة خاصة. جاء الإسلام بالمساواة قبل غيره ليعلمنا النبي عليه السلام بأننا من آدم وآدم من تراب، لذلك لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى كما قال رسول هذه الأمة، ومن جمال الإحرام غير المساواة أنه يذكرنا بالمصير المحتوم لكل البشر ألا وهو الموت الذي نحن نتقدم منه كل يوم وسنلقاه بلبس بسيط هو الكفن الذي نخرج به من الدنيا إلى عالم الآخرة. ولا أريد الخوض في هذا الأمر كي لا أفسد عليكم فرحة العيد التي نحن نعيشها، لكنها وقفة مهمة مع أول نسك الحج.
الدرس الثاني من الحج يكمن في البيعة الصادقة لله تعالى ورمز هذه البيعة يكمن في أمرين مهمين في الحج أولهما التلبية، فالحاج يهتف من أعماق قبله لبيك اللهم لبيك، فهو متجه إلى الله تعالى، ومن فسدت بيعته فسد حجه كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه في قوله " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ". فمن حج كي يقال له حاج فقد نال أجره في الدنيا فقط. والرمز الثاني للبيعة يكمن في تقبيل الحجر الأسود أو لمسه أو الإشارة إليه، كل ذلك توجه لله تعالى وبيعة صادقة يقولها الحاج الهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك واتباعا لهدي محمد عليه الصلاة والسلام. فالحجر الأسود حجر لا ينفع ولا يضر كما قال الفاروق عمر و"لولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك " فديننا دين تجرد لله تعالى من كل شيء وتوجه له سبحانه بكل شيء. حتى في القربان الذي يقدمه الحاج في مكة يقول الله تعالى عنه في القرآن " لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم " لذلك نستغرب من مؤمن يخاف من البشر أو يقدسهم كأنهم آلهة.
تستمر مناسك الحج بعدها كي يقف الناس جميعا في عرفات، حيث ألقى النبي محمد عليه الصلاة والسلام أول بيان لحقوق الإنسان، آن لنا كمسلمين أن نتدارسه ونطبقه في حياتنا ومن أهم هذا البيان كانت توصيته عليه السلام بالمرأة، وحفظ دم الإنسان، وحقوقه الطبيعية، فمتى طبقنا هذا البيان العالمي في حياتنا فإننا سنعيش حياة أخرى غير هذه الحياة.
تأتي عملية رجم الجمرات في علاقتنا الرمزية بالحجر. فالحجر الأسود يحمل رمز البيعة لله تعالى، وحجارة الجمرات تحمل في طياتها رمزا آخر هو إعلان الحرب على العدو الأول لنا ألا وهو الشيطان، ذلك العدو التاريخي الذي بدأ سيرته بإغواء أبينا آدم، وهو ما يزال مستمرا في صنعته كي يضمن له مرافقين في جهنم التي وعدها الله اياه، فمن رمى الجمرات فقد أعلن الحرب على الشيطان. السؤال هو إلى متى تستمر هذه الحرب؟ فبعض الحجاج تنتهي عداوتهم لإبليس فور انتهاء الجمرة الأخيرة.
نعم هذه مواطن في الحج لا يعرفها إلا من عاشها لكننا كمسلمين وإن كنا خارج الحج بإمكاننا أن نحج بتطبيق هذه المعاني الكريمة في حياتنا، فما أجملها من حياة يسودها الإيمان بالله، والمساواة في التعامل مع البشر، ومخالفة الشيطان.