عادة ما تؤدي الكوارث والمآسي إلى تقريب البشر حتى وهم يظهرون خلالها أفضل ما في النفس الإنسانية وأسوأ ما فيها. وكارثة "تسونامي"، التي فاجأت العالم في السادس والعشرين من شهر ديسمبر الماضي، والتي كانت بسبب زلزال وقع على أبعاد عميقة تحت المحيط الهندي في المنطقة التي تلي الحافة الشمالية لمقاطعة آتشيه الإندونيسية التي كانت مسرحا لحرب انفصالية، لم يكن استثناء من ذلك. " وتسونامي" وهو المصطلح الذي كان مقدرا للكثيرين في مختلف أنحاء العالم أن يسمعوه لأول مرة أدى إلى مصرع ما يزيد على 155 ألف إنسان، وتعرض 5 ملايين آخرين غيرهم لإصابات مختلفة، كما أدى إلى حدوث دمار كبير في 13 دولة بدءا من إندونيسيا التي كانت أكثر المتضررين إلى تايلاند وسيريلانكا وعلى امتداد هذا الطريق حتى الصومال. وتم توجيه الكثير من الانتقادات إلى الولايات المتحدة بسبب ما بدا أنه مساهمة مادية في غاية الشح منها في البداية، عندما أعلنت أنها ستساهم بخمسة ملايين دولار للتخفيف من آثار الكارثة، وذلك قبل أن تقوم بتعديل هذا المبلغ إلى35 مليون دولار، ثم إلى 350 مليون دولار. فبالمقارنة بمبلغ 4,500 مليار دولار الذي تنفقه الولايات المتحدة على عملياتها العسكرية شهريا في العراق، فإن هذا المبلغ الهزيل الذي ساهمت به الولايات المتحدة جعل الكثيرين في هذا العالم يضربون كفا بكف.
وقد دفعت الانتقادات التي تصاعدت ضد أميركا عبر أنحاء العالم، إلى قيام بعض الدول بإعادة النظر في المخصصات الأولية للمساعدات الممنوحة لضحايا "تسونامي". والحقيقة أن ذلك قد تم في أجواء تغلب عليها المصالح الجيوبوليتيكية، على الرغم من الظروف المأساوية التي تتطلب تلك المساعدات. والسبب الأكثر ترجيحا لإعادة النظر في تلك المساعدات هو عملية إعادة التقييم التي تمت لحجم الخسائر الناتجة عن تلك الكارثة والتي يرجح أنها كانت الدافع وراء قيام واشنطن بمراجعة المبلغ المخصص لمساهمتها، وزيادته أكثر من مرة. ولم يكن من المثير للدهشة في هذا السياق أن تقوم اليابان- ربما لسابق خبرتها بظاهرة تسونامي- بالإعلان بمجرد وقوع الكارثة بأنها ستخصص حزمة مساعدات بقيمة 500 مليون دولار. وقد حذت الصين حذو اليابان وإن بمبلغ أقل كثيرا، وذلك عندما رفعت مساهمتها من 20 مليون دولار في البداية إلى 60 مليون دولار بعد ذلك. ومن المعروف أن الدولتين لهما مصالح رئيسية في جنوب شرق آسيا والمناطق المجاورة لها. فمنذ فترة قصيرة، وتحديدا في نهاية نوفمبر الماضي، تم توقيع اتفاقيات لتأسيس مناطق للتجارة الحرة بين منظمة " الآسيان" وبين الصين واليابان.
وقد ساهمت استراليا التي كانت دائما تدعي أن لها مصالح حيوية في إندونيسيا(ومنطقة جنوب شرق آسيا بصفة عامة)، بمبلغ 385 مليون جنيه، كما قامت بنشر معدات عسكرية. بيد أن المساهمة الأسترالية ونشر المعدات العسكرية في المناطق التي تعرضت للكارثة يثير مخاوف إندونيسيا وخصوصا على ضوء موقف استراليا السابق من العنف الانفصالي في جزيرة آتشية (تيمور الشرقية).
وقد قامت الولايات المتحدة بإرسال حاملة الطائرات العملاقة "إبراهام لنكولن"، وكذلك 6 سفن إمداد بالقرب من الساحل الإندونيسي لتقديم المساعدات. كما أدلى وزير الخارجية الأميركية " كولين باول" بتصريح قال فيه إن أميركا تأمل من خلال نشر كبرى حاملات طائراتها، وعدد من سفن التموين وطائرات الهليوكوبتر(تحطمت إحداها منذ أيام) لتقديم المساعدات إلى اكبر دولة إسلامية في العالم، إلى تحسين صورة أميركا التي تعرضت إلى التشويه منذ أن قامت بشن حربها على العراق منذ سنتين تقريبا.
وقد قامت الهند، وهي واحدة من أكثر الدول التي تعرضت لأضرار بسبب تلك الكارثة، حيث يقدر عدد من لقوا مصرعهم أو فقدوا بأكثر من عشرين ألفاً، بعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع بتقديم مساعدات فورية بمبلغ 23 مليون دولار لضحايا "تسونامي". والأكثر أهمية من ذلك، أنها قد قامت بنشر سبع سفن حربية في المياه الإقليمية لسريلانكا، واثنتين بالقرب من سومطرة في إندونيسيا، من أجل القيام بمهام الإنقاذ والإغاثة. وفي مساء نفس اليوم الذي ضرب طوفان تسونامي المنطقة كانت البحرية الهندية قد قامت بنشر 19 سفينة و4 حاملات طائرات و14 طائرة هليوكوبتر في المناطق التي ضربها الطوفان. وخلال الـ24 ساعة التالية كانت البحرية الهندية قد قامت بنشر سفن تموين تم تحويلها إلى مستشفيات بحرية بمعدل مستشفى واحد لكل من سريلانكا وإندونيسيا واثنين في جزيرتي "أندامان ونيكوبار" التابعتين لها والتي تبعدان مسافة 12 كيلومترا عن البر الرئيسي الهندي وفي داخل خليج البنغال، والذي تعرض لأضرار جسيمة بعد أن غمرت الأمواج التي وصل ارتفاعها إلى 15 مترا جزيرة "نيكوبار" وقاعدتها الجوية تماما.
ونظرا لأن الهند (وهي ضحية لمأساة تسونامي ومقدمة لمساعدات إنقاذ وإغاثة في ذات الوقت للمتضررين الآخرين) قد رفضت تلقي مساعدات من الدول الأخرى، فإنها تعرضت إلى انتقادات مضادة، وخصوصا من وسائل الإعلام الغربية التي وجهت إل