في مثل هذا الشهر من ستين عاماً خلت أُعلن عن تأسيس المنظمة العالمية تحت اسم الأمم المتحدة. كان العالم الذي عاش مآسي الحرب العالمية الثانية وشهد ما أحدثته من دمار وهلاك قد أدرك حاجته إلى هيئة دولية تحل محل عصبة الأمم التي انهارت وقد خلفت وراءها فشلا ذريعاً في تحقيق الأهداف التي من أجلها أنشئت. وهكذا جاء مولد الأمم المتحدة وإعلان ميثاقها، الذي ظل يتطور وينمو بإضافته مواثيق عديدة إليه مثل مواثيق حقوق الإنسان والحقوق الاقتصادية الخ.
في هذه الأيام يكثر الحديث عن الأمم المتحدة ويوجه اليها كثير من النقد، بعضه صادق ويهدف إلى تطويرها وتقويتها وتمكينها من أداء دورها الفعال والمطلوب بالحاح، وبعضه مفرط وصادر عن مواقع سياسية وأيديولوجية ظلت دائما في حالة عداء مستمر لفكرة العمل الجماعي والمسؤولية الدولية الجماعية، ورمزها الأمم المتحدة.
إن ستين عاماً في عمر منظمة كالأمم المتحدة ليست فترة زمنية قصيرة، والأمم المتحدة كنظام ومؤسسة واجهت خلال هذه الأعوام مشاكل وازمات وتحديات كثيرة. لكن الأمر الذي يحسب لها أنها وبرغم كل ذلك صمدت وظلت تواصل رسالتها بكفاءة وجدارة مع ما شابها أحيانا من قصور، وبرغم ما أحاط أحيانا كثيرة بهيئة موظفيها من اتهامات تعلو وتخفت أحياناً.
ما يميز ادارة كوفي عنان الذي قضى حتى الآن سبعة أعوام على رأس قيادة المنظمة الدولية، أنه كقائد إداري يحسن الاستماع إلى النقد البناء ويستجيب إليه طالما كان ذلك ضرورياً. ومن مثال ذلك أنه في نوفمبر عام 2003 شكل لجنة خبراء ضمت ست عشرة شخصية دولية مشهودا لها بالكفاءة والمقدرة في حقول الدبلوماسية والعلاقات الدولية، من بينهم رئيس وزراء النرويج الأسبق جورهولم، وأمين جامعة الدول العربية السيد عمرو موسى، ووزير العدل الفرنسي روبير بندينتر، لتبحث في الوسائل والطرق التي تمكن المنظمة العالمية من أداء مهامها في مرحلة تاريخية جديدة تواجه فيها أخطاراً جديدة عسكرية وسياسية وإنسانية ستكون لها آثارها على مستقبل البشرية. هذه الأفكار والتحديات الجديدة التي يواجهها العالم ليست محصورة في الإرهاب الدولي كمهدد للأمن الجماعي للدول والشعوب، بل تمتد وتشمل تحديات الفقر والجوع وتدهور البيئة الطبيعية والأمراض الفتاكة والأوبئة، وهي جميعها تحديات تواجه المجتمع الدولي والهيئة العالمية وتسلتزم بالضرورة إعادة النظر في أهداف الأمم المتحدة وميثاقها.
لقد أصدرت المجموعية الدولية- مجموعة الستة عشر- التي كلفها كوفي عنان تقريرها الأولى الأسبوع الماضي والذي اشتمل على أكثر من مائة توصية وضعت أمام الأمين العام ليعرضها على قمة خاصة للأمم المتحدة ستنعقد في سبتمبر هذا العام-. إن التقرير الذي قدم دراسة عميقة لأحوال العالم وسلط أضواء شديدة على التحديات التي تواجه البشرية في هذا العقد التاريخي الجديد، قدم أيضا تصوراً لما رآه مؤلفوه مطلوباً لتطوير المنظمة الدولية وإصلاح أوضاعها وإعدادها لتكون قادرة على مواجهة تحديات المرحلة المقبلة.
ورأى أن عملية الإصلاح للهيكل الإداري والسياسي للمنظمة يجب أن تمتد لتشمل مجلس الأمن الدولي. كثيرون من المراقبين لا يتفاءلون بأن توصيات لجنة الخبراء ستحظى بموافقة الدول الكبرى وتوابعها. لكن مع ذلك يبقى الأمل في أن قضية تطوير الأمم المتحدة وإصلاح أوضاعها تحظى بتأييد أغلبية القوى المدنية المسخرة في العالم، وأن الحوار والنقاش حول هذه القضية سيتعدى جدران مباني الأمم المتحدة في نيويورك ليصبح قضية هي محور واهتمام شعوب العالم التي ترى فيها مظلة وحامية للسلم العالمي والأمن الجماعي.