تخيل يوما تنظف فيه ملابسك مجانا، بمجرد السير قليلا تحت المطر! عندها لن تكون بحاجة إلى دفع فواتير الغسيل الجاف، ولا المغاسل أو خلافها. تكفي لغسل ملابسك وتنظيفها على أحسن ما يكون، قطرات صغيرة من المطر، أو بضع رذاذ من قوارير البخاخ العادي، في المناخات الجافة. فهذه أو تلك تكفي لإزالة الأوساخ عن بنطالك أو قميصك أو فستانك. فما رأيك في هذا الاقتراح؟.
وإلى أن تقرر، فإننا نود أن نطلعك على أن هذه الفكرة في طريقها إلى التحول إلى واقع فعلي، بفضل نوع جديد من تغليف الملابس، طوره واكتشفه باحثون وعلماء في جامعة كليمسون بولاية كارولينا الجنوبية. ويتلخص هذا الاكتشاف في استخدام طبقة عازلة وطاردة جدا للماء، تساعد على تجنب تراكم الأوساخ على سطح الملابس. انبنى هذا الاكتشاف الجديد على خصائص زهرة اللوتس، الطاردة للماء والقادرة على تنظيف نفسها ذاتيا. أهم هذه الخصائص أن سطحها يحتوى على عدد لا يحصى من النتوءات المغطاة بطبقة عازلة وطاردة للماء. ولما كان يتعذر على قطرات الماء أن تنتشر في أوراق الزهرة، فإنها تنساب حولها على شكل قطرات، مزيلة بذلك السخام والتراب العالقين بها، فتكون الزهرة قد أينعت وتخلصت تلقائيا من الأوساخ.
في محاولة ناجحة لتقليد هذه الخاصية، استخدم فريق البحث العلمي المشار إليه آنفا، نظائر النانو الفضية الدقيقة، التي لا يزيد حجمها على واحد من ألف من شعر الإنسان. والفكرة هي أن هذه النظائر الدقيقة ستؤدي إلى خلق نتوءات صغيرة الحجم في سطح القماش، بينما يساعد التغليف الصناعي على تثبيتها على نحو دائم فوق سطح القماش. وعلى حد قول الدكتور فيل براون، الذي يقود فريق البحث العلمي، فعندما يتم تعريض هذا القماش المعالج للماء، سيسهل غسله كثيرا وبما لا يقاس بأية حال من الأحوال بالغسيل العادي. ويضيف براون قائلا إن الحاجة للماء لا تنتفي تماما لغسيل هذا النوع من الملابس المحسنة، إلا أن تنظيفها سيكون أسهل وأقل من حيث عدد المرات التي يحتاج فيها المرء لغسل ملابسه.
الفارق الكبير بين الملابس ذات السطح الطارد للماء، المصنعة والمستخدمة اليوم، وهذا الاكتشاف الجديد هو أن السطح الطارد في النوع الأول من الملابس يزول سريعا، في حين يلتصق السطح نفسه في النوع الثاني من الملابس بالقماش على نحو دائم ولا يندثر إلا باندثار الملابس نفسها. ومن خصائصه أيضا أنه يمكن إلصاقه بأي من الأقمشة التجارية الشائعة الاستخدام في السوق، بما فيها أقمشة البوليستر والقطن والحرير. ومما لا شك فيه أن هذه المرونة وتعدد الاستخدامات، ربما يجعل من تطبيق هذا الاكتشاف شائعا وواسع الانتشار. ففي الإمكان تطبيق هذا التغليف الصناعي الطارد للماء، على ملابس الأطفال وملابس المستشفيات، وكذلك الملابس الرياضية، والزي الرسمي العسكري، فضلا عن إمكانية استخدامه في تصنيع معاطف المطر على حد قول الدكتور براون. ومن الاستخدامات والتطبيقات الأخرى المحتملة، أن يستخدم الاكتشاف الجديد كمواد تظليل للبنايات، وفي حالات التخييم خارج البيوت أيضا، وفي الأسقف المتحركة للسيارات.
إلى ذلك تعمل فرق باحثين آخرين على اكتشاف وسائل ومواد أخرى لها خاصية التنظيف الذاتي، وذلك بإجراء تجارب على مواد وطرائق مغايرة لمحاكاة مزايا زهرة اللوتس هذه. من بينها مثلا إجراء التجارب على الغسيل الذاتي بواسطة ضوء الشمس. يضطلع بتجربة كهذه د. وليد داؤود من جامعة الدراسات التقنية في هونج كونج. لجأ هذا الباحث إلى إجراء تجربته بتطعيم الملابس والأقمشة العادية بنظائر النانو الدقيقة المصنوعة من ثاني أكسيد التيتانيوم، التي تتفاعل مع الضوء الطبيعي، مما ينتج عنه تحلل وإزالة الأوساخ العالقة بالسطح. أما التطبيقات والزبائن المحتملون لهذه الاكتشاف العلمي، فيتمثلون في أفراد القوات النظامية، والمسافرين الذين لا يتوفر لهم الوقت ولا الوسائل التي تمكنهم من غسل ملابسهم.
وهناك من الباحثين والعلماء من انشغل بجانب آخر مختلف جدا من هذه التجارب العلمية على الملابس. وقد انصب الاهتمام هذه المرة، على إزالة الروائح، سيما الكريهة منها، من الملابس. هذا ما تصدى له باحثان من جامعة هانيانج بكوريا الجنوبية. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، لجأ الباحثان لاستخدام نظائر النانو الفضية على الجوارب والسجاد والفوط والأقنعة الجراحية. يشار هنا إلى التجارب التي يجريها فريق الدكتور براون، تضمنت هي الأخرى، استخدام المواد المضادة للميكروبات والجراثيم في السطح الصناعي المغطي للملابس، بهدف طرد الروائح التي يفرزها الجسم وكذلك رائحة السجاير التي تعلق بملابس المدخنين.
وفقا لأندرو جيرلاند، من معهد "تكنولوجيا النانو" في اسكتلندة، فقد أعربت الكثير من الشركات عن حماسها ورغبتها في الاستثمار في هذه الملابس الذاتية التنظيف. وبالفعل فقد لجأت تقنيات النانو في بريطانيا، للاستفادة من الاكتشافات الكورية المذكورة، في تصنيع نوع من جوارب "سول فريش" المقاومة للروائح الكريهة التي تفرزها القدمان. وفيما لو قدر لهذ