الآن وعلى الرغم من أنه لم يعد أمامنا سوى أقل من أسبوعين على حلول موعد الانتخابات العراقية المقرر عقدها في الثلاثين من 30 يناير الحالي، فإننا نجد أنه لا يزال هناك من يريد تأجيل تلك الانتخابات، وهو الأمر الذي إن حدث فسيكون بمثابة خطأ لا يغتفر.
فمن ناحية، نجد أن الشعب العراقي يتشوق إلى الديمقراطية، بعد أن عانى طويلا تحت عقود من الدكتاتورية والقمع تحت حكم النظام السابق، وهو لا يميل إلى الانتظار لأكثر من ذلك. وقد تم التأكد من هذه الحقيقة، من خلال العديد من الشواهد كما تم تأكيدها مؤخرا من خلال استفتاء تم إجراؤه بواسطة "المعهد الجمهوري الدولي" في ديسمبر الماضي، تبين من خلاله أن 67.4 من العراقيين يؤيدون المضي قدما وعقد الانتخابات في موعدها المقرر من قبل. ولم يقتصر الأمر على هذا الاستفتاء إذ أن لجنة الانتخابات المستقلة في العراق، تؤكد وفقا للمعلومات المتوافرة لديها أن هناك 7471 مرشحا، يمثلون 75 كيانا سياسيا، و27 منظمة و9 ائتلافات، تخطط كلها للاشتراك في انتخابات الجمعية الوطنية.
إذن فإن النصيحة التي يمكن أن أوجهها للجميع هي: لا تنخدعوا بما يقوله أصحاب الدعايات المغرضة.. فهذه العملية الانتخابية التي سينتج عنها تأسيس جمعية وطنيه، سوف تؤدي إلى بناء مؤسسات ديمقراطية دائمة، وصياغة دستور عراقي، وهي عملية في مصلحة الجميع، وليس هدفها محاباة طبقة أو مجموعة، وتفضيلها على الآخرين. وليس هناك- كما يدعي البعض- أي محاولة تمت من قبل السلطات، لإيقاف أي شخص ومنعه من المشاركة في التصويت، فهذا لم يحدث على الإطلاق، وليس هناك احتمال أنه سيحدث وبالتالي يمكن القول إنه ليس هناك أي "أزمة سنية" كما دأب البعض على التلميح إلى ذلك، وخصوصا في الآونة الأخيرة وبعد أن بدأ العد التنازلي للانتخابات المرتقبة.
بعبارات مبسطة، يمكن القول إن العراق الجديد سوف يكون وطنا لجميع العراقيين وليس لمجموعة أو ملة أو طائفة واحدة، وإنه سيمثل جميع العرب والأكراد والتركمان والآشوريين وأي أقليات أو أديان أخرى موجودة في هذا البلد المتعدد الديانات والأعراق والثقافات.
ليس هناك أحد يريد أن تسود عدم العدالة وعدم المساواة في العراق سوى فئة واحدة وهي الإرهابيون. فحكم البلد على أسس من انعدام العدالة واللامساواة، كان هو تحديدا السياسة التي لجأ نظام صدام حسين الفاشي إلى اتباعها دائما، وهي تحديدا أيضا السياسة التي جرت الويلات على البلاد، وأدت إلى انتشار المقابر الجماعية في كل مكان فيها، وهي تحديدا كذلك السياسة التي يرغب الإرهابيون اليوم في إعادة إحيائها من جديد.
وفي هذا السياق علينا أن نسأل أنفسنا سؤالا محددا هو: من هي الجهة التي ستحقق أكبر قدر من المصلحة من خلال الدعوة إلى تأجيل الانتخابات، على الرغم من الجهود المكثفة التي تبذلها لجنة الانتخابات المستقلة، وعلى الرغم من الدعم الذي تقدمه الأحزاب والمؤسسات العراقية الرئيسية لهذه الانتخابات، وعلى الرغم من الرغبة الواضحة للدول الصديقة والأمم المتحدة في عقد الانتخابات في موعدها المحدد من قبل؟. هذه الجهة معروفة، وأهدافها معروفة.. وتأجيل الانتخابات وفقا لرغبة تلك الفئة سوف تكون له عواقب وخيمة. ومما يذكر في هذا السياق، أن ممثل آية الله العظمى على السيستاني، قد أدلى بتصريح في الحادي والثلاثين من شهر ديسمبر الماضي محذرا من مغبة تأجيل الانتخابات قال فيه:" إن موضوع الانتخابات في العراق هو موضوع حيوي بالنسبة للعراقيين جميعا.. وهناك إجماع على عقد تلك الانتخابات، وأي محاولة لتأجيلها سوف تؤدي إلى أزمة لا يمكن تخيل أبعادها ولا إدراك مداها، ويجب أن يكون ذلك معلوما لجميع الأطراف من دون استثناء".
ثم دعنا نسأل أنفسنا سؤالا هنا هو: ما الذي سنجنيه من خلال تأجيل الانتخابات؟ إن الظروف الأمنية المتدهورة السائدة لن تختفي خلال الأسبوعين القادمين أو الشهور القادمة، بل لن تختفي ربما حتى بعد عقد الانتخابات. وفي الحقيقة أن عقد الانتخابات وتنصيب حكومة شعبية، شرعية، ديمقراطية في مكانها هو الطريقة المثلى للمساعدة على تحقيق الاستقرار وتأمين البلاد، و ليس العكس. فهذه هي الطريقة التي يجب أن تتم بها محاربة إرهاب أشخاص مثل أسامة بن لادن، أو صنيعته أبو مصعب الزرقاوي.
ويذكر في هذا السياق أيضا أن البعض قد دعوا إلى عقد "مؤتمر مصالحة" قبل عقد الانتخابات ذاتها بهدف التقريب بين الفئات والطوائف والأحزاب المختلفة وإزالة ما بينها من شكوك ومخاوف. ولكن هذه المصالحة في رأيي قد تم التوصل إليها بالفعل، والوحيدون الموجودون خارج دائرتها هم البعثيون وأتباع النظام السابق. ولكن المصالحة مع البعثيين مسألة غير مطروحة أصلا.. لأنها ليست فقط في غير صالح الشيعة والأكراد، ولكنها ضد مصلحة معظم السنة كذلك.
ويمكن القول إن الدعوة التي يطلقها بعض السياسيين لمقاطعة الانتخابات طالما ظلت البلاد محتلة هي دعوة مُضَللَة، لأن الحقيقة الواقعية هي أن القوات المتعددة الجنسيات الموجودة في العراق تمثل ضر