في أعقاب المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة لضحايا " تسونامي" من المسلمين وغير المسلمين، ألمح وزير الخارجية الأميركي كولن باول إلى أن العالم الإسلامي، وبعد أن رأى الآن " الكرم الأميركي" والقيم الأميركية على أرض الواقع، قد يصبح أقل عداء لأميركا عما كان عليه من قبل.
لا تحبسوا أنفاسكم في انتظار وصول بطاقة شكر.. فإذا ما كان الجنود الأميركيون الذين غامروا بحياتهم لإنقاذ المسلمين في البوسنة، والمسلمين في الكويت، والمسلمين في الصومال، والمسلمين في أفغانستان، والمسلمين في العراق، لم يجلبوا لنا سوى هذه التهمة الباطلة وهي أننا "معادون للمسلمين"، فإنني أرجوكم أن تصدقوني عندما أقول لكن إن قوات الولايات المتحدة التي تقوم بتوزيع زجاجات الماء المعبأة والفطائر في إندونيسيا، لن تكون قادرة على محو تلك الأكذوبة. وليس من قبيل المبالغة القول إن السياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال الخمسة عشر عاما الأخيرة كانت في معظمها مجهودات لإنقاذ المسلمين ليس من الكوارث الطبيعية مثل الـ"تسونامي"، ولكن من الطغيان الذي تمارسه عليهم أنظمتهم الاستبدادية والدينية.
ومع ذلك فإن تلك السياسة لم يكن لها تأثير كبير. من هناك فإنني أعتقد أنكم سوف تلتمسون العذر لي، إذا ما قلت إنني لا أهتم بما يقوله عنا الإعلام الحكومي في الدول العربية، لأن هذا الإعلام مخصص للتنفيث عن الغضب المحتقن ضد حكامه، وتوجيهه ضد أميركا وبالتالي فإنه سوف يستمر في قول نفس الشيء عنا، مهما فعلنا.
وأنا اعتقد أن معظم التوترات السائدة بيننا وبين العالم الإسلامي ترجع إلى الظروف التي يعيش فيها العديد من المسلمين، وليس لها علاقة بما نقوم به. وأنا أرى أن الشعوب الحرة التي تعيش في ظل حكومات منتخبة انتخابا حرا، ولديها صحافة حرة، وأنظمة اقتصادية وتعليمية، تساعد شبابها على تحقيق آمالهم وطموحاتهم، لا يوجد لديها الوقت الكافي للتفكير فيمن تكره، ومن تلوم، ومن تنفث فيه غضبها. علاوة على ذلك فإن تلك الدول لا تستخدم إعلامها، ولا مثقفيها الموظفين في خدمة الحكومة، لصرف الأنظار عما تقوم به، وإعادة توجيه الاحتقانات الموجودة في مجتمعاتها ضد أميركا.
ربما يقول قائل: مهلا! فليس كل ما تقوله صحيحا، بدليل أن الأوروبيين يعيشون في ديمقراطيات تقوم على نظام الاقتصاد الحر ومع ذلك نرى أنهم قد أصبحوا معادين لأميركا. لمن يقول ذلك أقول له: نعم أنت على حق!.. ولكن ليس كل الأوروبيين هكذا وإنما البعض منهم فقط، علاوة على أن العداء لأميركا بالنسبة للأوروبيين هو مجرد هواية، أما بالنسبة للكثير من المسلمين فإنه قد أصبح حرفة.
أنا على يقين بأن الشباب التايواني والشباب الكوري، والشباب الياباني، والشباب البولندي لديه آراؤه الخاصة بشأن أميركا، ولكن ذلك لا يتحول لديهم إلى نوع من الوسواس القهري. فهؤلاء الشباب يريدون وظائفنا، ولا يريدون حياتنا. علاوة على ذلك فهم يعيشون في مجتمعات، تقوم بتمكين شبابها، وتتيح لهم الفرص لتحقيق آمالهم وطموحاتهم، والتعبير عما يعن لهم، من أراء سواء كانت هذه الآراء مؤيدة للأميركيين، أو معادية لهم، أو محايدة.
لذلك أقول إنني لا أريد من الشباب المسلم أن يحبنا، وإنما أريد منهم أن يحبوا أنفسهم ويحترموا أنفسهم، وأن يحبوا حكوماتهم و يحترموها، وأن يحبوا بلدانهم ويحترموها.إنني أريد أن تتوافر لهم نفس رفاهية تجاهل أميركا التي تتوافر للشباب التايواني على سبيل المثال، لأن هذا الشباب مشغول بتحسين ظروف حياته ونظام حكمه، والترشح للوظائف العامة. ودراسة أي شيء يريدون دراسته، أو العثور على وظائف في بلادهم.
إدارة بوش بالطبع ليست مهتمة بكل ذلك، لأنها مشغولة بـ" سوء إدارة الحرب" التي شنتها لتحرير شعب العراق. وفي الحقيقة أن أداءها في تلك الحرب كان محزنا، وأنا أصدق أي أحد- سواء كان منتميا إلى اليمين أو إلى اليسار – يقول إنه من الأفضل لنا أن ننفض أيدينا من الأمر برمته. ولكنني أقول – وأنا هنا أتحدث بصفة شخصية- إن الأمل لا يزال يحدوني في أن تتم الانتخابات العراقية. وأنا أقول ذلك احتراما للعراقيين الذين أظهروا الاستعداد للمخاطرة بحياتهم من أجل الحصول على فرصة للتصويت، وأقوله أيضا بدافع الاحتقار للمتمردين الذين يريدون أن يحولوا دون عقد تلك الانتخابات، وأقوله انطلاقا من إيمان عميق بأن هناك شيئا في غاية الأهمية موضوعا في كفة الميزان.
ليس قصدي من ذلك القول بأن تلك الانتخابات سوف تغير العراق والمنطقة بين عشية وضحاها، أو أن التصويت فيها سيكون لانتخاب" توماس جيفرسون" ولكن تلك الانتخابات سوف تؤدي على الأقل إلى إطلاق ما يسميه الخبير العراقي "إسحاق نقاش" عملية عراقية سياسية " حقيقية " يديرها العراقيون، وتهدف لتحقيق مصلحتهم.
والعملية السياسية العراقية يجب أن"تبدأ الآن لمساعدة الولايات المتحدة على الخروج من العراق اليوم قبل الغد". حسبما يقول السيد نقاش وهو أستاذ بجامعة "برانديز" والزميل الحالي " بمركز وودرو ويلسون الدولي" ويضيف البروفيسو