في التاسع من يناير الجاري تم انتخاب محمود عباس كرئيس جديد للسلطة الفلسطينية بأصوات تزيد على معدل 60 في المئة. ووفقاً لأكثر من 800 مراقب دولي للانتخابات بمن فيهم الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر فإن هذه الانتخابات قد جرت بشكل عادل وشفاف ولم تتخللها أعمال عنف. وعلى الرغم من وجود بعض المشاكل التي لم يكن من الممكن تجنبها في الآليات المتعلقة بالعملية الانتخابية وبخاصة في القدس الشرقية إلا أن العملية في مجملها سجلت نجاحاً كبيراً بتعاون الإسرائيليين مع الفلسطينيين. والآن فقد أصبح لدى الفلسطينيين ما يفخرون به من نجاح تحقق وبات يتعين عليهم أن يأملوا في أن الفترة التي تلي الانتخابات سوف تمضي بهم نحو حياة أفضل.
على أن الكثير من ذلك سيعتمد على الكيفية التي يدير بها عباس توازناً دقيقاً بين العمل من جهة مع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون في نفس الوقت الذي يحسن فيه علاقاته مع المجموعات الإسلامية الفلسطينية وبخاصة جماعة "حماس". وهو أمر تكتنفه العديد من الصعوبات وذلك بسبب أن الإسرائيليين لم يعودوا يهتمون إلى أقوال محمود عباس التي تجنح إلى التوافق وتطالب بإيجاد تسوية وحل نهائي، بل إنهم يرغبون في رؤية أفعال وخطوات عملية في الحد من نشاطات المجموعات الراديكالية المتطرفة وقدرتهم على شن هجمات فردية على إسرائيل.
وبالنسبة للإسرائيليين فإن السلطة الفلسطينية بات يتعين عليها إحكام السيطرة على القوات الأمنية بموجب الصلاحيات الممنوحة لها وبخاصة في داخل المنطقة الهشة في قطاع غزة. وإذا كان الانسحاب الإسرائيلي من غزة الآن سوف يجري فيه التنسيق مع السلطة الفلسطينية فإن من الضروري أن يتم تنفيذ هذا الأمر بروح من التعاون ولا تتخلله أعمال العنف من كلا الجانبين.
لقد أشار محمود عباس في خطابه ضمن الاحتفال بتحقيق الفوز إلى أن"الجهاد الأصغر" -أي العنف الذي ساد فترة الأربع سنوات الماضية- قد انتهى و"أصبحنا أمام الجهاد الأكبر" -أي إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة وبناء الوطن الفلسطيني. وبلا شك فهو يدرك تماماً أن هذا الأمر لا يمكن تحقيقه بدون الدعم الإسرائيلي وبقية دول العالم.
وبدون شك فإن عباس سيعمل على استثمار حالة البؤس والغضب العام التي تسيطر على المواطن الفلسطيني والتي شهدت فيها مستويات المعيشة تراجعاً كبيراً منذ عام 2000 عندما بدأت الانتفاضة الثانية. استطلاعات الرأي بدأت تشير إلى أن غالبية الفلسطينيين لا يرون مستقبلاً مشرقاً في حال استمرار أعمال العنف وأن التوصل إلى تسوية مع إسرائيل هو الحل الوحيد لهذه الأزمة. ولحسن الحظ فإن معظم الإسرائيليين ينظرون إلى هذه المسألة بشكل مماثل وأعتقد أن هذا الأمر هو الذي يشكل الأرضية المناسبة للتعاون المأمول بين عباس وشارون.
ومن حسن الطالع أيضاً أن المصالح المشتركة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة وسائر الدول العربية وبخاصة مصر قد تقاربت بشكل يجعل من المرجح أن يتم توفير حزمة كبيرة من الدعم للسلطة الفلسطينية. وإلى ذلك فإن من المهم أيضاً تثمين ذلك القرار الذي اتخذه عرفات -تحت ضغوط كثيفة- بتعيين سلام فياض وزيرا للمالية. ويذكر أن فياض فعل الكثير من أجل تقليل حجم الفساد وزيادة مستوى الشفافية داخل الإدارة المالية للسلطة. وبموت عرفات فإنه بات بالإمكان زيادة جرعة الشفافية مما يوفر المزيد من الثقة والاستقرار في أوساط الشعب الفلسطيني، وكذلك في أوساط المانحين.
أما بالنسبة لإدارة بوش فإن انتخاب محمود عباس يعتبر تقدماً يلقى كل الترحيب في ظل تواتر الأنباء السيئة من العراق. لقد بادر بوش إلى تقديم التهنئة إلى عباس وقدم له الدعوة لزيارة البيت الأبيض وهو الأمر الذي لم يحظ به عرفات. وبالطبع فإذا ما قدر للانتخابات العراقية أن تمضي بنفس السلاسة والشمولية التي جرت بها الانتخابات الفلسطينية، فإن بوش بلا شك سوف يشعر بفرحة مزدوجة ولكن الكثيرين يشككون في تحقيق هذا المطلب في انتخابات الثلاثين من يناير في ظل استمرار وتصاعد عمليات العنف هناك.