هل الانتخابات النزيهة هي كل ما يحتاجه الشعبان الفلسطيني والعراقي لحل مشاكلهما المتعددة؟ عندما تستمع إلى بعض أعضاء إدارة بوش، قد يتبادر إلى ذهنك أن الأمر كذلك بالفعل. ففي التاسع من يناير الحالي، شارك الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة (ولكن لوحظ عدم مشاركة نظرائهم في المنفى) في انتخابات نزيهة بصفة عامة، جاءت بمحمود عباس رئيسا للسلطة الفلسطينية. وفي الثلاثين من هذا الشهر أيضا، سوف يقوم العراقيون بالتصويت لاختيار جمعية وطنية، وبرلمان مؤقت.
ليس من المؤكد ما إذا كانت الانتخابات العراقية سوف يتم عقدها في موعدها المقرر أم لا... خصوصا إذا ما أخذنا اتساع نطاق التمرد الحاصل هناك في الحسبان. ولكن حتى إذا عقدت، فإنها لن تضمن هي ومثيلتها الفلسطينية، حقوق الناخبين إلا إذا ما حصل الشعبان العراقي والفلسطيني أيضا على استقلالهما الوطني، في أسرع وقت ممكن.
علاوة على ذلك، فإن الولايات المتحدة وكذلك إسرائيل مطالبتان خلال مرحلة نقل السيادة، أن يوصلا -ويقدما نموذجا- لفكرتين من (الأفكار المحورية)، التي تقف خلف أي نظرية حقيقية من نظريات الديمقراطية هما: الحاجة إلى حل الخلافات عن طريق الحوار بدلا من العنف، والاحترام الكامل لحقوق الآخرين بما في ذلك – وهو شيء في غاية الأهمية – هؤلاء الذين نختلف معهم. وإذا لم يحصل الفلسطينيون والعراقيون على استقلالهما الوطني بسرعة، فإن الانتخابات التي تتم لاختيار هيئات مؤقتة، لن يكون لها معنى. ليس هذا فحسب، بل إن الأسوأ هو أن الديمقراطية سوف تنال سمعة سيئة كذلك.
ولقد حدث شيء مثل هذا بالفعل عام 1996، عندما كان الفلسطينيون متلهفين للمشاركة في انتخابات لاختيار رئيس للسلطة الفلسطينية، لأنهم كانوا يعرفون أن من ينتخبونه سوف يقوم بالتفاوض على مسألة السيادة مع الإسرائيليين. حينئذ قام الفلسطينيون بانتخاب ياسر عرفات، بظن أنه الشخص الذي سيقوم بالتفاوض على مسألة حصولهم على السيادة مع الإسرائيليين. ولكن لأسباب متعددة، بعضها- وليست كلها- تتصل بأخطاء ارتكبها عرفات، توقفت المفاوضات مع الإسرائيليين ثم انهارت. ومرة أخرى وجد الفلسطينيون أنفسهم يعيشون تحت الحكم العسكري الإسرائيلي المباشر. وخلال هذه المرحلة من بدايتها لنهايتها عانت فكرة "الديمقراطية" ما عانته. فالشيء الذي لوحظ خلال انتخابات هذا العام، هو أن الفلسطينيين كانوا أقل حماسا من المرة السابقة (1996).
هناك الكثير مما يمكن للولايات المتحدة أن تقوم به لتسريع المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية، وصولا لمحصلة نهائية تتضمن- كما قرر بوش- وجود دولتين مستقلتين تعيشان في سلام وأمان جنبا إلى جنب. ومن المهام الرئيسية التي يتعين على الولايات المتحدة أن تقوم بها في هذا الصدد أن تقوم بحث القيادتين – ليس فقط القيادة الفلسطينية- على الابتعاد بشكل قاطع عن العنف، والانخراط في مباحثات عقلانية لحل خلافاتهما.
إن العنف الذي تقوم به جماعات تعمل خارج نطاق الحكومة الفلسطينية، قد أدين دائما وهو عين الصواب. ولكن يجب علينا ألا ننسى أن الحكومة الإسرائيلية قد قامت هي أيضا باستخدام العنف المفرط، وارتكبت أعمالا منافية لميثاق حقوق الإنسان في ظروف مختلفة. مثال على ذلك، هو أعمال القتل خارج النطاق القضائي (الاغتيالات) التي أدت إلى قتل 180 شخصا مستهدفا و130 من المارة الذين لا ذنب لهم منذ سبتمبر 2000. لذا يتوجب على الولايات المتحدة باعتبارها داعما رئيسيا للمفاوضات، أن تصر على أن يقوم الطرفان على اتباع سياسات تقوم على مراعاة كل طرف لحقوق الطرف الآخر، واحترامه، والبعد عن جميع مظاهر العنف خارج النطاق القضائي، أو العنف التصعيدي.
هذا بالنسبة لفلسطين، أما العراق فإن الولايات المتحدة تواجه أكبر تحد "للأفكار الكبيرة" المتعلقة بالحكم الذاتي القائم على الديمقراطية. والسؤال هنا هو، هل ستكون الولايات المتحدة مستعدة لتسليم سلطة السيادة في العراق إلى قيادة منتخبة حسب الأصول، حتى إذا ما كانت – الولايات المتحدة- تختلف مع العديد من السياسات التي تتبناها تلك القيادة؟ إن مبادئ الديمقراطية تقول إنها تستطيع أن تفعل ذلك. سؤال آخر في هذا السياق: هل ستكون الولايات المتحدة قادرة على إنهاء استخدام قواتها للعنف التصاعدي خلال مرحلة تسليم السيادة لسلطة عراقية؟
إن الجزء المناوئ للعنف في نظرية الديمقراطية، يؤكد أنها يجب أن تقوم بذلك.
خلال الكثير من الخطوات التي قطعتها على طريق العذاب في العراق، لجأت الولايات المتحدة إلى استخدام عنف مبالغ فيه للغاية، وليس له أدنى داع في الحقيقة. وهذا العنف ألحق أذى هائلا بالعراقيين رجالا ونساء، كما عرض الكثير من الأماكن العامة إلى خطر كبير. وقد أدى استخدام هذا النوع من العنف إلى التأثير على قدرة أميركا على تحقيق أهدافها السياسية المتوخاة من الحرب التي خاضتها ضد العراق. بالإضافة لذلك فإنه في كل مرة كان الأميركيون الذين يبدون في غاية القوة، يقومون فيها باستخدام العنف الهائل في التعامل مع خ