يمكن أن يكون هبوطا على هيئة ارتطام عنيف على سطح صخور أو على سطح بحيرة أو على سطح طبقة ثلجية. ولكن ومهما كانت الطريقة التي سيهبط بها المسبار الروبوتي الفضائي Huygens "هويجينز"على سطح القمر "تيتان" الذي يدور حول الكوكب "زحل" فإنه سوف يمثل منعطفا حاسما في تاريخ اكتشاف المنظومة الشمسية.
وإذا ما مر كل شيء على ما يرام، فإن المسبار الفضائي التابع لـ"وكالة الفضاء الأوروبية"، سوف يكون هو أول (كريستوفر كولمبس) آلي يستقر على سطح كوكب يقع في العوالم القارسة البرودة، الواقعة خارج منظومتنا الشمسية. فهناك وفيما وراء ما يطلق عليه العلماء "خط الثلج" تختفي الصخور كي تخلي مكانا للثلج والغازات السائلة كوحدات بنائية أولية لكواكب عملاقة وللمجالات الجوية الخاصة بها.
ونزول "هويجينز" على سطح القمر" تيتان"، سوف يتيح لنا إلقاء نظرة مقربة للغاية على جرم سماوي يقع خارج منظومتنا الشمسية، وهو ما سيساعدنا على الرؤية الأكثر عمقا لنوعية العمليات الكيميائية الكوكبية، التي أدت إلى وجود الحياة على ظهر كوكب الأرض ذاته في مراحله المبكرة.
"إن القمر تيتان يختلف عن أي شيء آخر قمنا باستكشافه من قبل" هذا ما يقوله "ديفيد جرينسبون" عالم الفضاء في معهد "ساوث ويست" للأبحاث في مدينة " باولدر" بولاية كولورادو. وإذا ما تم كل شيء على ما يرام فإن تلك اللحظة سوف تكون واحدة من أهم لحظات الاكتشافات الفضائية خلال العقود الخمسة الأخيرة".
والمسبار "هويجينز" مصمم لقياس الرياح والمناخ في المناطق القريبة من موقع هبوطه، ثم القيام بعد ذلك بتجميع عينات من ذلك المزيج من المواد الكيماوية الذي يتكون في مناخ القمر"تيتان". في نفس الوقت، فإن الكاميرات المثبتة في المسبار، سوف تتيح للعلماء الموجودين في مركز المراقبة الأرضية رؤية- تشبه تلك التي يحظى بها المسافرون في الطائرات- للمشهد على ظهر القمر، وذلك عندما يقوم المسبار بالهبوط بالمظلة على سطحه. وسوف يقوم المسبار أيضا بقياس الخصائص الأساسية للموقع، الذي سيهبط فيه سواء كان جزيرة ثلجية، أو بحرا، أو بحيرة مكونة من هايدروكاربونات سائلة، أو ربما طبقات بارزة من الصخور المغطاة بسوائل لزجة.
"إن معظم الكواكب والأقمار هي بالنسبة لنا عوالم ميتة، ونحن في الحقيقة نحاول أن نعيد بناء الماضي السحيق"، هذا ما يقوله الدكتور جرينسبون. ويضيف: ولكن القليل من الكواكب ومنها الأرض، والزهرة وإلى حد ما المريخ، والآن على ما يبدو "تيتان"، تكشف لنا أن هناك نشاطا مستمرا، أصبحنا قادرين اليوم على رصده، وعلى التعلم منه، وعلى معرفة أشياء لم نكن نعرفها من قبل".
ويعتبر القمر "تيتان" هو الجائزة النفيسة التي يسعى العلماء المكلفون للمهمة المعروفة باسم" هويجينز وكاسيني" Cassini- Huygens للحصول عليها وهذه المهمة هي عبارة عن مجهود دولي تقوده "الإدارة الوطنية لعلوم الطيران والفضاء" والتي تضم وكالات الفضاء الأوروبية والإيطالية. والمركبة المدارية الأم "كاسيني" سوف تعمل كمركبة جوالة فضائية، تقوم برحلات بين الكواكب. وهذه المركبة مكلفة بالدوران حول مدار زحل 74 مرة خلال مهمتها المقرر أن تنتهي في يوليو 2008. والعلماء الأكثر تشوقا من غيرهم لمعرفة ما ستسفر عنه رحلة المسبار "هويجينز"، هم هؤلاء الذين يستخدمون مجموعة الأجهزة الموجودة في المركبة الأم" كاسيني" مثل رادارات رسم الخرائط، والكاميرات، وأجهزة قياس الطيف Spectrometer. ومنذ أن وصلت "كاسيني" إلى كوكب زحل في يوليو الماضي، قامت بالدوران حول القمر "تيتان" مرتين. ويذكر في هذا السياق أيضا أن الكاميرات والرادارات الموجودة في تلك المركبة قد التقطت صورا توجد بها مناطق مظلمة وأخرى مضيئة على سطح القمر. ومن المعروف أن المناطق المظلمة تشير إلى وجود هايدروكاربونات، في حين تشير المناطق المضيئة إلى وجود جليد.
ولكن هل هناك بحيرات من الهايدروكاربون فوق سطح القمر؟ على الرغم من علماء التصوير imaging قد شاهدوا معالم مثيرة للاهتمام على سطح القمر منها علامات تشير إلى بقايا تصدع قديم، وخطوط ساحلية، أو مجموعة لسلاسل من بحيرات الهايدروكاربون فإن هؤلاء العلماء لم يلتقطوا دليلا واضحا على حدوث تغيير في تضاريس سطح الكوكب.
ولكن رحلة الطيران القريب التي قامت بها المركبة الأم" كاسيني" أسفرت عن عدد من المفاجآت، وذلك كما يقول "بوني بوراتي" وهو عالم فضائي يعمل في "مختبر الدفع النفاث" التابع لوكالة ناسا الفضائية في باسادينا- كاليفورنيا. ويقول بوراتي أيضاإأن ما يبدو حتى اللحظة الحالية، هو أن القمر "تيتان" يخلو من الحفر، وهو ما يدل على أن سطحه يعتبر حديثا من الناحية الجيولوجية.
إلى ذلك تمكن الباحثون من رؤية صور لسحب رقيقة في الارتفاعات المتوسطة من القمر تيتان، وفي مناطق بعيدة عن تشكيلات السحب التي يبدو أنها تحيط بأقصى المنطقة الجنوبية من القمر، في مثل هذا الوقت من سنته الشمسية. بعض العلماء يعتقدون أن تلك السحب تمثل علامات على التغير الموسمي، في حين يش