الحادي عشر من سبتمبر ذكرى نقشت في التاريخ المعاصر، لأن العالم بعدها لم يعد كما كان من قبل. لن أتحدث عن تلك المأساة وما نتج عنها فلي مقالات نشرت في وقتها حول هذه القضية. ما أعاد التاريخ إلى ذهني مشاركتي في المؤتمر السنوي لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية والذي عقد في العاصمة أبو ظبي في الفترة من التاسع إلى الحادي عشر من هذا الشهر. فبينما كنت مستمعا إلى الكلمة الافتتاحية قرأت تاريخ انعقاد المؤتمر بالطريقة الأميركية فقلت في نفسي هل يعد هذا المؤتمر ثورة للإعلام العربي كي لا يكون كما هو عليه الآن؟ وزادت قناعتي بهذا الربط بعد حضوري للعديد من الفعاليات، لعلي أنقل لكم بعضا منها.
كانت بداية المطاف أو بداية الثورة على الإعلام العربي مع كلمة أكثر من رائعة للفريق أول سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي وزير الدفاع، حيث دعا إلى " تحرير الإعلام العربي من القيود لمواجهة الغزو الفضائي والمنافسة وضرورة تغيير وإصلاح الإعلام لأنه اللاعب الرئيسي في قضية الإصلاح والتغيير". كما أضاف سموه في كلمة الافتتاح: " كيف ينافس الإعلام العربي وهو مكبل بأنماط العمل التي اعتاد عليها لعقود طويلة وكيف ينهض ليواجه الغزو الفضائي وهو مقيد بقوانين مهمتها الأولى التحكم في المعلومات ومنع الرأي الآخر".
الثورة الثانية لم تكن أقل من الأولى حيث قادها سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الإعلام والثقافة عندما قال: إن تحرير الإعلام من القوانين التي تكبله هو الحلقة الأولى في إعادة تأهيل الإعلام العربي. وطالب سموه بإيجاد مناخ يشجع الإبداع الفكري والحوار الصحفي حتى ولو أدى ذلك إلى "إحراج الحكومات" .
ثم بدأت الجلسة الأولى للمؤتمر حيث تحدث فيها العديد لكنني معجب برأي الدكتور علي فخرو الذي تحدث في محور تأثير وسائل الاعلام في التعليم بين الواقع والطموح وبين أن التناقض بين الإعلام والتربية لن يسهم في التعامل مع التحديات. وقال إن السلطات التي تحدد نشر المعرفة هي عقبة أمام الإعلام والتربية. كما اتهم السلطات بأنها تسعى إلى ضبط عقول الناس عبر التعليم مرة وخلال التحكم في المعلومات مرة أخرى، ومع ذلك فهو يرى أن التربية والإعلام تشتركان في العديد من الممارسات الخاطئة والتي منها: الوصول للحقيقة، فلا نتيح للمتعلم أو متابع الإعلام حرية الوصول للحقيقة بل نختصرها له مما يؤدي بنا في بعض الأوقات للوصول للحقائق المزيفة. ومن الجوانب الأخرى ربط المواطنة الصالحة بالزعيم أو القائد ولو كان ذلك على حساب الكرامة الإنسانية، كما تطرق إلى عجزنا عن متابعة المستجدات العلمية، وفي النهاية طالب بتطوير مستوى الخطاب الإعلامي والتربوي.
ومن أوروبا تحدث جريك دايك رئيس مجلس إدارة هيئة الإذاعة البريطانية السابق، حيث قال: لا ينبغي أن يكون الإعلام مصفقا للحكومة كما فعل الإعلام الأميركي أثناء الحرب على العراق، على عكس هيئة الإذاعة البريطانية التي كان لها موقف إيجابي عندما شرحت موقفها الخاص والذي تعارض في بعض الأوقات مع الحكومة. ومن كلماته الجميلة في اللقاء أن هيئة الإذاعة البريطانية مملوكة من الشعب البريطاني وليس الحكومة، لأن الحكومة تتغير والشعب باق.
لو تأملنا المقتطفات السابقة من المتحدثين في المؤتمر لتأكد لنا أن المطلوب منا وقفة جادة مع الإعلام العربي قد تبدأ بتغيير في القوانين. لكن القانون وحده لا يكفي بل لا بد من إيجاد رؤية جديدة للإعلام العربي ورسالة مختلفة عن رسالته الحالية وإعداد خاص للقائمين عليه يجعلهم يخاطبون العقل العربي بدلا من مداعبة العاطفة، وهذا ما أكد عليه وضاح خنفر مدير عام "قناة الجزيرة" في قطر.