إن الوطن العربي اليوم بمثابة قلب مفتوح أو جوف مفتوح يجري فيه كل من شاء أي عملية جراحية دون أخذ رأي صاحبه ودون أن يعرف مدى الخطورة وعما إذا كان الهدف هو صحة الجسد أو القضاء عليه. إنه أشبه بملعب بلا صاحب، ملعب كل الفرق على أرضه كما تشاء وتسجل الأهداف في شباك صاحبه إن وجد.
لا يوجد متحدث باسمه، ولا معبر عن مصالحه، ولا مجسد لوجوده وثقله عبر التاريخ. بل هي مجموعة من الإرادات المتضاربة بل والمتعارضة، والمشارب المتباينة. يضرب بعضها بعضا سرا أم علنا. المغرب أقرب إلى الغرب منه إلى الشرق. والهجرات منه بالملايين إلى الدول الغربية. وهو قريب منه جغرافيا ولغويا. فلماذا لا يكون الخاصرة الجنوبية للاتحاد الأوروبي؟ والخليج العربي مستقر للقوات الأميركية حتى لا يتكرر العدوان عليه من الشرق أو الشمال. ولم تنجح اتفاقية دمشق في أن يقوم العرب بالدفاع عن أنفسهم بأنفسهم، بعد أن سمحوا للأجنبي بالتدخل في شؤونهم ونصرة فريق على فريق وحارب العربي مع الأميركي ضد العربي.
ويختلف العرب في مؤتمرات القمة. وإذا اتفقوا ففي عبارات إنشائية وبيانات عامة تتكرر في كل مؤتمر حتى حفظها الناس. فهي تدون قبل الانعقاد. وعرف الناس النتائج قبل المقدمات، والحلول قبل المشاكل. فلم تعد للعرب كلمة مسموعة. وردت إليهم مبادرة السلام العربية، اعتراف كامل في مقابل انسحاب كامل. فالجسد المسجى لا قيمة ولا ثقل ولا قوام له.
ويعلم الغرب جيدا أنه يتعامل مع نظم سياسية قد لا تترجم تماما طبيعة القوى السياسية في الشارع العربي. نظم وريثة نصف قرن أو يزيد، والشارع العربي قد تغير. وظهرت الحركة الإسلامية كعامل مؤثر في المعادلة السياسية بعد أن استبعدت في بناء الدولة الوطنية الحديثة بعد الاستقلال وأصبح الكثير منها خريج سجون، ونزيل معتقلات. تعود إلى الساحة السياسية ناقمة غاضبة، وتبدو الفاعل الوحيد المؤثر في الداخل والخارج. تخشاها أنظمة الحكم في الداخل. ويهابها الغرب في الخارج، وبدل أن تكون داخل الجسد المسجى ترد إليه الحياة أصبحت خارجه، تهيم على وجهها خارج الزمان والمكان.
فلسطين قلب مفتوح، تلعب فيه إسرائيل كما تشاء. تحتل المدن وتقيم الحواجز، وتبني الحائط العنصري، وتقف على المعابر، تداهم المخيمات وتدمر البيوت، وتجرف الأراضي. تغتال القادة والنشطاء. وتقبض على أفراد المقاومة. ولا راد للعدوان إلا بعض عبارات الشجب والتنديد في الداخل، وإدانة الاستعمال المفرط للقوة دون أصل العدوان. فلسطين أرض بلا صاحب، ووطن بلا شعب. هي أرض المعاد لبني إسرائيل ومن طرأ عليها ووفد إليها كعرب فلسطين حكمه حكم الأقليات كما هو الحال في الأنظمة العنصرية. المقاومة فيها إرهاب وعنف وقتل للأبرياء وإجبار لإسرائيل على الانسحاب من الأراضي المحتلة وهو تهديد لأمنها، وانتقاص من سلطانها. الجسد المفتوح مسجى في فلسطين. تدوس عليه إسرائيل بالأقدام. وتربط شرايينه في دورات دموية صغيرة لا تعيد إلى القلب حياته.
والعراق قلب مفتوح. تلعب فيه قوات التحالف الرئيسية والرمزية، وفي مقدمتها القوات الأميركية. تدمر المدن، وتهدم المنازل، وتقتل الأبرياء. تحل الجيش والشرطة والحزب. وتنهب دور الحكومة وأبنية الدولة ومكتبات الجامعة والمتاحف. وتتاجر في نفط العراق باسم برنامج النفط في مقابل الغذاء. وتلعب فيه المخابرات الإسرائيلية والغربية والشرقية كما تشاء باستثناء إرادة شعب العراق. الكل يخطط لمستقبله إلا شعبه. الكل يسعى إلى تقطيع الأطراف ولا أحد يسعى إلى حماية القلب والحفاظ على نبضه وقوته.
والسودان قلب مفتوح تلعب فيه القوى الغربية ما تشاء في جنوب السودان وغربه. ظل الغرب يدعم الجنوبيين بإرسال السلاح مباشرة، واستعمال مطارات الجنوب دون المرور بالخرطوم. ويعلن رئيس وزراء بريطانيا أنه سيرسل ثلاثة آلاف جندي دفاعا عن سكان دارفور. والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ودول الجوار والاتحاد الأفريقي، الكل يلعب في جوف السودان، ويعيد ترتيب الأوراق طبقا لميزان القوى الحالي. والولايات المتحدة الأميركية تعلن أن ما يحدث فيه هو تطهير عرقي أما ما يحدث في فلسطين فهو دفاع عن أمن إسرائيل.
ومن يصمد من العرب والمسلمين مثل سوريا وإيران من أجل حماية الجسد العربي والإسلامي إلا أن الخنجر بيد القاتل ممدود يهدد سوريا إن لم تتوقف عن مساعدة المقاومة العراقية، وتأييد حزب الله في جنوب لبنان وفتح دمشق لقادة المقاومة الفلسطينية، والاستسلام التام لإسرائيل. وكذلك يتم تهديد إيران إن لم تتوقف عن التجارب النووية وإن لم تقبل التفتيش على مفاعلاتها وإن لم تقبل الخضوع التام للغرب، الولايات المتحدة وإسرائيل. كما أنه يجب أن تتوقف عن تدعيم سوريا وحزب الله في لبنان.
وأفغانستان والشيشان وكشمير أيضا قلوب مفتوحة يلعب من يشاء فيها. فقد غزت الولايات المتحدة أفغانستان بدعوى القضاء على نظام الطالبان الذي يأوي تنظيم القاعدة. وتم تدمير وطن بأكمله بالطائرات والصواريخ والمدافع الطويلة المدى. وهو مدمر أصلا بالقهر