ما هو الأثر الذي يمكن أن يخلفه العنف الذي تمارسه دولة الاحتلال الصهيونية على المحتلين أنفسهم؟ يجيب يهودا ليطاني على هذا السؤال في مقال بصحيفة يديعوت أحرونوت (25 نوفمبر 2004)، فيرى أن هذا العنف يحول المستوطنين إلى حيوانات، ويمضي قائلاً: لقد بدأت مسيرة السلوك الحيواني منذ زمن بعيد، ولكنها الآن تعطي ثمارها الأولية. هذه المسيرة لا تجري فقط على جانب واحد من الخط الأخضر، فهي تتسلل بسرعة إلى جانبه الآخر، إلى حياتنا اليومية في إسرائيل المتنورة والديمقراطية. هذا السلوك الحيواني يصل إلى بيوتنا، إلى أنماط سلوكنا، بين الإنسان ورفيقه، في مراكز الأحزاب، في الطرقات، في ملاعب كرة القدم ومراكز الترفيه. عنف لفظي وجسدي لم نشهد له مثيلاً، وهو استمرار لذات العنف الذي نستخدمه تجاه الفلسطينيين في المناطق. ليس الجنود هم المذنبين، الاحتلال هو المذنب. وتتناول شالوميت ألوني نفس القضية، وتحذر من تفكك المجتمع الإسرائيلي. فتقول: لا أريد أن أعرف. لقد أقلعت عن قراءة الجرائد. إن مجتمعنا تقوضه عبادة القوة. إننا نقتل الفلسطينيين بطريقة تتسم بالخيلاء والخفة مما يسبب لي الكثير من القلق. ولا أتمتع بأي سلام حينما أرى هذا الحائط الذي نبنيه. نحن ننهب الأرض ونحطم أسلوب حياة شعب عاش في نفس المكان عبر قرون... نحن مشغولون بتخريب حقول ثلاثة ملايين شخص والبنية التحتية الحيوية لمجتمعهم ونتظاهر بعد ذلك بأننا الضحية. لا يمكنني أن استمر في الحياة مع استمرارنا في العويل أننا الضحايا دون أن نقيم أخلاقياتنا. من المهم أن ندرك أن الهجمات الانتحارية مسألة بشعة، ولكن الغارات الجوية تقتل أعداداً أكبر. وبينما نشعر بالألم لمقتل 900 مواطن إسرائيلي، ننسى أننا قتلنا ثلاثة آلاف من المدنيين الفلسطينيين".
ويقرأ الإسرائيليون هذه الكلمات ويدركون مدى بشاعة الاحتلال وأثره على المجتمع الإسرائيلي، فهل يغير هذا من خريطتهم الإدراكية؟
الإجابة على هذا السؤال بالنفي. فالجو السياسي والثقافي والفكري العنصري السائد في المجتمع الصهيوني يشجع على ارتكاب الجرائم وعمليات القتل، وعادةً ما يلجأ العنصريون لتجريد الآخر من إنسانيته حتى يمكن قتله بسهولة، إذ من الصعب على الإنسان مهما بلغ من قسوة وعدم اكتراث أن يقتل إنساناً آخر، ولهذا فلابد من استبعاد الآخر من دائرة الإنسانية، وهذا ما فعله الصهاينة من البداية وهذا ما يفعلونه الآن.
فها هو يحيل حازان، عضو الكنيست عن اللكيود، يقول في إحدى الجلسات التي عُقدت في شهر نوفمبر إن العرب مجرد "ديدان". وهو نفسه الذي قال مرة إن قتل اليهود يجري في دم العرب. وانطلاقاً من نفس التصور العنصري الشرس يقول حازان: إن هذه الديدان تلحق الأذى بالشعب اليهودي منذ مائة عام، بينما نمد نحن أيدينا في سلام. إذا لم ندرك أننا نتعامل مع شعب إرهابي قاتل لا يريدنا أن نبقى هنا فلن نصل إلى السلام والأمن". ثم أضاف إن "العرب شعب من الديدان، تزحف في القاذورات، وليس شعباً يبحث عن السلام".
وها هو القائد الإسرائيلي في القيادة المركزية عامي شوحاط يقول في محاضرة أمام عدد من جنود الاحتياط: "كل العرب عبارة عن نفايات وحثالة". وفي إشارة لياسر عرفات، يقول: "هذا الحثالة قد مات، ولكن قطعة أخرى من النفايات ستحل محله". بل وتباهى القائد بأنه أثناء إحدى العمليات في جنين قام بمصادرة مياه مرسلة للفلسطينيين، لأنه لا يبالي "إن ماتت هذه القاذورات من العطش".
وفي مقال بعنوان "الجيش الإسرائيلي لا يعاني من الأرق بعد قتل المدنيين الفلسطينيين" (معاريف، 23 نوفمبر 2004)، يدافع حجاي سيغال عن قتل المدنيين. فقد صرح دان حلوتس رئيس الأركان أنه نام نوماً هادئاً في الليل بعد عملية اغتيال صلاح شحادة، وهو أحد قادة حركة "حماس"، والتي أدت إلى مقتل بعض المدنيين. وقد قُدم للمحاكمة لتصريحه هذا.
ويقول الكاتب: على حلوتس أن يقف بقامة مرفوعة أمام القضاة وأن يكشف أمامهم كامل أفكاره، وأن يقول: حقاً نمت على نحو ممتاز في الليلة التالية لتصفيتنا شحادة. صحيح أن هناك أبرياء ماتوا في القصف أيضاً، ولكن هكذا هو الحال في الحرب، وليس نحن من شرعنا بها. فهل كان ينبغي أن يقض مضجعي لأننا وفرنا على شعب إسرائيل بعض الحافلات المتفجرة؟ ومن قرر بأن الأخلاق تستدعي منا تعريض حياة المواطنين في سوق الكرمل للخطر كي نوفر حياة مواطنين في غزة؟
يمكن لحلوتس أن يثبت للقضاة أنه ليس الاستراتيجي الغربي الأول الذي نام جيداً في ملابسات مشابهة. هناك كثيرون وجيدون سبقوه، ومنهم هاري ترومان، أحد الرؤساء الأميركيين الأكثر نزاهة في كل الأزمنة، الذي شهد بأنه نام جيداً حتى بعد إلقاء القنبلة النووية على اليابان، هذه القنبلة الفظيعة التي جاءت لتوفير حياة مليون جندي أميركي.
كما أن المارشال البريطاني في تلك الحرب، سير أرثور هرس، لم يتقلب في سريره ليلاً. فالرجل الذي حول "دريزدن" إلى خرائب كي يجبر الألمان على الاستسلام، نام جيداً رغم علمه بأن عشرات آلاف المدنيين الألمان قُ