كلما اقترب موعد تنفيذ خطة أرييل شارون للانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة وبعض المستعمرات - "المستوطنات" النائية من الضفة، كلما ازداد التوتر بين الحكومة والمستعمرين. فقد اتهم قادة المستعمرين- "المستوطنين" رئيس الحكومة شارون بأنه يحاول انتزاع شرعيتهم في المجتمع الإسرائيلي واتهموه أيضا بأنه معني بتعميق الشرخ الحاصل في صفوف الشعب الإسرائيلي. وقال رئيس مجلس المستعمرات- "المستوطنات" بنتسي ليبرمان: إننا نشهد في الآونة الأخيرة محاولات من جانب رئيس الحكومة لاستفزازنا في عدة أماكن. إنه يحاول انتزاع الشرعية من نضالنا ولكن نضالنا مبرر وعادل. إن على رئيس الحكومة أن يعود إلى الشعب ومهما كان قرار الشعب سيتقبله المستوطنون.
ويأتي هذا التوتر المتصاعد بين رئيس الوزراء شارون والمستعمرين في أعقاب أحداث العنف والمواجهات التي حدثت بين هؤلاء وقوات الأمن التي أرسلت لإخلاء منزلين فقط أقيما بصورة غير شرعية قرب مستعمرة- "مستوطنة" "يتسهار". والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح الآن هو ما سوف يكون عليه الوضع عندما يرسل الجيش لإخلاء مستعمرة-"مستوطنة" كاملة او حتى مستعمرات قطاع غزة بالكامل؟
لقد دفع هذا الحادث -الذي يعتبر مؤشرا خطيرا على ما قد يحدث لاحقا، شارون، إلى التهديد بالانعكاسات القضائية المترتبة على أحداث "يتسهار". وفي لقاء له مع أفراد من الجيش كانوا طرفا في الاشتباكات قال شارون: "إن أسلوب التعامل سيتغير مع كل من يهدد أو يحرض أو يمس أفراد قوات الأمن". كما أعرب شارون عن أمله بحدوث تغيير في الإجراءات المتخذة ضد "الخارجين على القانون" معتبرا أن العقوبات الحالية "بسيطة ولا تردعهم عن أفعالهم".
من ناحية أخرى، ولكي يزداد الأمر تعقيدا، أعربت لجنة حاخامات الضفة الغربية وقطاع غزة عن دعمها وتأييدها لقادة المستعمرين-"المستوطنين" ودعوتهم إلى التصدي لإخلاء المستعمرات حتى لو أدى ذلك إلى دخول السجن. وكرر الحاخامات قرار الحاخام ابراهيم شابيرا المتعلق برفض أوامر إخلاء مستعمرات وقالوا إنه "يفضل صمودهم من أجل بقاء إسرائيل كاملة وإفشال اقتلاع اليهود من بيوتهم ... سنحظى بقيادة بموجب توراتنا المقدسة والجمهور سيطيع أوامر كبار هذا الجيل الذين قرروا لقوات الأمن كيف ستتصرف". وقد أجبرت أحداث العنف التي وقعت في مستعمرة "يتسهار" رئيس هيئة الأركان العامة موشيه يعالون إلى الاجتماع بقادة المستعمرين. وقد حذر يعالون قبل الاجتماع قائلا: "إن الرفض قد يؤدي إلى حالة من التفكك والخراب. كل من هو قلق على مصير دولة إسرائيل كدولة ديمقراطية ومستقلة يجب عليه أن لا يفكر في قول كلمة رفض إطلاقا". وقد وصف الطرفان اللقاء بأنه "صعب ومتوتر". وقال أحد قادة المستعمرين في نهاية اللقاء: "لقد حذرنا الجيش من موجة ضخمة من الرفض. لا يوجد هناك حوار مع المستوى السياسي. صحيح أنه لا يمكن للجيش أن يقرر لكننا تحدثنا مع قادة الجيش عن كل شيء". وقد أجبرت تصريحات قادة المستعمرين العدائية شارون على تصعيد نبرته ضد المستعمرين وتطرق إلى الدعوات الصريحة الداعية إلى رفض تنفيذ أوامر الإخلاء من قبل الجنود، وقال: "إن مثل هذه المحاولات واردة الحدوث، ولكن دولة إسرائيل هي دولة قانون وسيتم التصدي لهذه المحاولات بأسلوب صارم". ويقول يوسي سريد، رئيس حزب "ياحد" وأحد أبرز زعماء اليسار الإسرائيلي: "لقد سقطت جميع الأقنعة مرة واحدة. مجلس المستوطنات يدعو علانية إلى خرق القانون الذي سنته حكومة شرعية، لقد أصبح كل شيء واضحا لأن قادة المستوطنين يعلنون الحرب على سكان دولة إسرائيل. لقد رفضت دوما نعت ذلك بحرب الأشقاء، فمن يشن الحرب على أبناء شعبي وعلى معارفي وعائلتي ليس شقيقا لي، أنا أفضل تعريف الحرب المقبلة على أنها حرب أهلية..".
يبدو المجتمع الإسرائيلي منقسما على نفسه بخصوص خطة الانسحاب الأحادي الجانب. والخلاف بين حكومة شارون والمستعمرين يتفاقم والتوتر يزداد وهناك أحاديث واضحة من عدة مصادر سياسية عليا عن خطر نشوب مصادمات عنيفة بين المستعمرين-"المستوطنين" وقوات الأمن العام التي ستتولى إخلاء المستعمرات بالقوة. وتلقى دعوات قادة المستعمرين والحاخامات إلى الجنود والضباط برفض تنفيذ أوامر الإخلاء صدى واسعا ويزداد التجاوب معها بين أفراد الجيش وكان آخرها عريضة وقعها عدد كبير من ضباط الاحتياط في الجيش الإسرائيلي طالبين من زملائهم رفض تنفيذ أوامر الإخلاء. وفي استطلاع للرأي أجراه معهد "داحف" لصحيفة "يديعوت أحرونوت" فإن 73% من المستعمرين يعتبرون بأن غالبية المستعمرين سيعارضون بأجسادهم تنفيذ خطـة الانفصال، فيما قال 47% أنهم يؤيدون رسالة التمرد التي وزعها بنحاس فالرشتاين أحد قادتهم ويدعمون تعليمات مجلس المستعمرات-"المستوطنات" التي تحث على مقاومة الإخلاء بشتى الوسائل.
وفي ردهم على سؤال كيف سيتصرفون إذا ما تقرر إخلاء المستعمرات وحضر الجيش والشرطة لتنفيذ الأمر، قال 38% من مجمل "المستوطنين" إنهم سيخلون منازلهم بدون أي مقاومة فيما أيدت ذلك نسبة 23% فقط