هل وصلنا إلى مرحلة يمكن اعتبار المواطن العاطل فيها أو الباحث عن عمل عبئا ثقيلا على الوطن؟. هل من المنطق القول: إننا نعيش زمنا متغيرا، ووضعا مختلفا عن العقود السابقة، وقد آن الأوان لكي يعمل المواطن الخريج أو المتعلم في المهن الدنيا، وقد ضاقت سبل المهن العليا والوسطى عليه؟
حوارات عديدة تدور حول هذه القضية الشائكة، وطروحات غريبة تأخذ مساحة من النقاش على مختلف المستويات. ما العيب في أن يعمل المواطن سائقا أو عاملا في مطعم أو محطة بترول أو غيرها من الوظائف التي لا تحتاج إلى أي نوع من الشهادة؟.
أي بمعنى آخر لماذا لا يعمل في أي عمل متاح وبأي راتب دون الالتفات إلى الشروط الوظيفية المسبقة أو اللاحقة، فيقبل بتوظيف الواقع كما هو دون السعي إلى إجراء أي تعديلات تتناسب مع مستوى الحياة في الدولة، الذي قد يتحول في يوم قادم في بعض الإمارات إلى حياة أرستقراطية لا يمكن أن يتحملها الموظف العادي، فضلا عمن هو خالي الوفاض بلا عمل ولا مال؟
وبالمقابل نجد أن سوق العمل في الدولة يوفر وظائف للعمالة الوافدة بمختلف مستوياتها الإدارية سواء كانوا من شرائح الخبراء أو رؤساء شركات أو مديرين تنفيذيين نزولا إلى بقية الدرجات الوظيفية.
ومع ذلك عندما يكون مدار الحديث هو توفير الوظيفة الكريمة للمواطن الذي هضم وتخصص في علوم العصر فلا يتم بلعه واستيعابه في منظومة سوق العمل الذي تتحكم فيه قوانين السوق الفارغة من الآلية الفاعلة للحد من غلواء شماعة الانفتاح الاقتصادي، وكأنما أصبحنا أكثر انفتاحا من الدول المتقدمة ومن يمضي على نهجها.
إن الحماس الشديد لدى البعض في إلصاق تهمة أي مهنة على صدر المواطن العاطل عن العمل لن يعالج هذه المشكلة. ولا نريد أن يتم تسريع آليات سوق العمل بالدولة في اتجاه فرض واقع مخالف لما عليه خطط التنمية الاقتصادية بالدولة، حتى نوصِّل المواطنين العاطلين عن العمل لقبول أي وظيفة أو أي عمل أو أي مهنة لأن الخيارات أصبحت أمام المواطن خيارا واحدا، ألا وهو الرضا بهذا الوضع مجبرا أو مضطرا. ولو تُرك هذا الحبل على الغارب فإننا سنصل إلى مرحلة متأزمة تتحكم فيها آلية الفوضى في سوق العمل بالدولة ولكن باسم الانفتاح الاقتصادي.
لماذا يتم عرض أي عمل على المواطن ولا يتم ذلك على القادم من الخارج وهو الذي يفرض شروطه على صاحب العمل وفق عقود وبنود مطولة وملزمة يدفع من خلالها صاحب العمل من دم قلبه إذا ما ألَّم بالعقد جزء من الإخلال؟. أما المواطن فإن عليه أن يقبل بأي وظيفة على عواهنها فإذا أخلي سبيله بدون إبداء أي سبب فليس عليه إلا أن ينقلب على عقبيه فلا يجد عونا من أحد، بل يكثر في طريقه الفراعنة الذين يختلقون فيه كل العيوب التي لا علاقة لها بأي وظيفة.
ومن الحقائق التي يتم التغافل عنها أثناء مناقشة هذه القضية الوطنية هو أن نمط الأنشطة الاقتصادية السائدة في المجتمع يميل لصالح الجانب الخدمي لأنه جزء من أساسيات اقتصاد دولة الرفاه ويسميها البعض بدولة الخدمات، وهو ما يشير إلى التوسع المستمر وتوالد الوظائف بحيث يغطي كل احتياجات الأعداد المتزايدة من السكان. ولو استقطعنا الوظائف الوسطى لهذا القطاع فإنها ستفي بمتطلبات تشغيل ثلاثة أرباع العاطلين عن العمل في الدولة دون اضطرار المواطنين إلى العمل في المطاعم، وسائقي سيارات أجرة وغيرها من الوظائف التي لا علاقة لها بالأهداف الاستراتيجية للتوطين.