أدلى رئيس الوزراء البريطاني "توني بلير" بالتعليق التالي بشأن الدور البريطاني المقترح في مسيرة السلام في الشرق الأوسط، وذلك في اجتماعه الشهري الأخير مع مندوبي الصحافة الذي عقده بعد عودته من عطلته التي قضاها في مصر. قال بلير:" كما قلت للقيادة الفلسطينية عندما كنت هناك، فإن الأمر في الحقيقة يتوقف على ما إذا كانوا يريدون تعاطفي أم يريدون الحقائق الواقعية أو الحقائق على الأرض. بالنسبة للتعاطف أحب أن أقول لهم: إنني شخصيا متعاطف تعاطفا عميقا معهم... ولكن الحقائق الواقعية، هي أننا لن نتمكن من إعادة موضوع السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين بأي شكل من الأشكال، التي يمكن أن توصلنا إلى مفاوضات الوضع النهائي التي يريدها الطرف الفلسطيني، قبل أن نقوم بالأعمال التمهيدية التي يمكن أن توصلنا إلى ذلك".
وفي الإيجاز الذي قدمه وزير الخارجية إلى رئاسة الوزارة البريطانية في مقرها في " 10 داونينج ستريت" جاء أن المؤتمر المشار إليه، والمقرر عقده في شهر مارس المقبل في العاصمة البريطانية، قد تعرض إلى انتقادات عديدة من بعض الفلسطينيين ومن غيرهم من الأطراف في منطقة الشرق الأوسط. أما إسرائيل فهي تدعم المؤتمر وإن كانت لن تحضره كما يتبين على الأقل حتى الآن. والمنتقدون يتطلعون إلى أن يكون هدف ذلك المؤتمر، هو تحقيق تقدم نحو مفاوضات الوضع النهائي، وخاصة بعد الانتصار الساحق الذي حققه محمود عباس في التاسع من شهر يناير الحالي، وليس إعطاء الفلسطينيين دروسا خصوصية خارج ساعات الدراسة بشأن ما يتعين عليهم عمله.
وفي حين أنه توجد لديّ تحفظات معينة بشأن موقف توني بلير الشخصي بصدد الصراع بين العرب والإسرائيليين، وهي تحفظات أود أن أشير إلى أنها تنطلق من خوفي من أن يكون رئيس الوزراء البريطاني، يقوم بتنفيذ ما يطلبه منه بوش، في نفس الوقت الذي يدرك فيه أن الرئيس الأميركي لن يقوم بالضغط على الإسرائيليين لتنفيذ المطلوب منهم. فمن وجهة نظر "وايت هول" (مقر الحكومة البريطانية) فإن ذلك المؤتمر يمثل مبادرة إيجابية من قبل الحكومة البريطانية، وأن هناك حوارات مقبولة تجري بشأن إمكانية تحقيق تقدم بهذه الطريقة.
وسواء أحببنا هذه الحقيقة أم لا، فإن الفلسطينيين الذين نراهم عام 2005، ليسوا دولة فاشلة بقدر ما هم دولة جنينية مدمرة، أو حتى بشكل أكثر تحديدا- سلطة محلية مدمرة. لقد اتبعت إسرائيل سياسة قاسية عملت على إلحاق أكبر قدر ممكن من التدمير بالسلطة الفلسطينية وبنيتها التحتية. فنظرا لأنها تمثل قوة الاحتلال، وتمتلك سيطرة عسكرية على الفلسطينيين، فإن تلك السياسة حققت نجاحا. أما الرأي العام العالمي الذي كان لا يوافق على الهجمات الانتحارية التي كان يقوم بها الفلسطينيون على الحافلات والمقاهي، فقد فضل أن يغض طرفه عما كانت تقوم به إسرائيل.
رجل واحد فقط لم يغضض طرفه، أو يتظاهر بالنظر بعيدا عما يحدث. إن هذا الرجل هو "كريس باتين" مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، الذي نقل عنه في الثاني والعشرين من شهر يناير 2002 قوله:" إنني أشعر بالصدمة والذهول بسبب ما يحدث.. إننا نسأل أنفسنا هل المساهمة في تحقيق الأمن تعني القيام بتدمير كل شيء نحاول القيام به" ؟
في تلك المرحلة التي يتحدث عنها كريس باتين، قامت إسرائيل- حسب التقديرات- بتدمير مشروعات إنمائية بلغت تكلفتها 20 مليون يورو. كما قامت الدبابات الإسرائيلية بتسوية بعض المباني في ميناء قطاع غزة بالأرض، وتدمير ممرات الهبوط والإقلاع بمطارها، وتدمير هيئة الإذاعة الفلسطينية في مدينة رام الله والتي تكلفت 3 ملايين يورو. أما رجال الشرطة الفلسطينيون فقد تم النظر إليهم من قبل الإسرائيليين بالطبع على أنهم يمثلون جنودا للعدو. والوضع الحالي السائد اليوم ليس مختلفا عن الوضع الذي كان سائدا في تلك الفترة التي كان كريس باتين يتحدث عنها.
وفي الحقيقة عندما كان الراحل ياسر عرفات يتولى رئاسة السلطة الفلسطينية، كان هناك شعور متفاقم لدى العواصم الأوروبية بأن الأموال التي يتم جمعها عن طريق الضرائب، أو تلك التي يتم منحها إلى الفلسطينيين من قبل تلك العواصم، لا تستخدم على النحو الصحيح. علاوة على ذلك كان هناك الكثير من الدلائل التي تشير إلى الافتقار إلى المحاسبة النزيهة، والكثير من الكلام- بين الفلسطينيين أنفسهم- عن الفساد المستشري في الدوائر العليا من السلطة.
و"توني بلير" على حق عندما يعتقد بأن كل شيء يجب أن يتغير تغيرا جذريا، إذا ما كانت السلطة الفلسطينية تريد أن يتم النظر إليها من قبل العالم على أنها تمثل شريكا مناسبا للسلام – بصرف النظر عما يعتقده ذلك العالم بشأن الإسرائيليين.
ومن ضمن بنود المؤتمر المزمع عقده في شهر مارس المقبل في لندن، ذلك البند المتعلق بأفضل طريقة ممكنة يمكن اتباعها للحصول على أكبر قدر من التأييد للقيادة الفلسطينية المنتخبة حديثا. سوف تكون هناك حاجة كذلك لمناقشة- والتخطيط من أجل- الفترة التي ستلي الانسحاب الإسرائيلي المقترح من قطاع غزة والت