بالقرب من اللسان البحري الذي تعصف به الرياح والأمواج حيث حقق الأدميرال نيلسون انتصاره البحري العظيم على الأسطول الفرنسي قبل قرنين من الزمان، يبدو أن هناك معركة جديدة للطرف الأغر بدأت تتشكل نذرها في الأفق. ولكن السفن في هذه المرة ليست سوى مراكب صغيرة لصيد الأسماك لا ترغب إلا في حماية الرزق وسبل المعيشة اليومية.
هناك شركتان تخططان لبناء مجموعة ضخمة من الطواحين الهوائية داخل البحر بالقرب من امتداد الساحل الإسباني الجنوبي حيث تتكدس الكثبان الرملية وتنتشر البحيرات وسلسلة الصخور الحادة البحرية البنية اللون. وفي ظل وجود حوالي 400 توربينة بالقرب من الشاطئ فإن الشركتين تعتزمان الاستحواذ على طاقة الرياح التي تهب بشكل مستمر في هذه المنطقة عند تقاطع البحر الأبيض المتوسط مع المحيط الأطلسي. ولكن صيادي الأسماك الذين ظلوا يجوبون المنطقة بحثاً عن رزقهم سرعان ما ساورتهم المخاوف والغضب من أن وجود هذه الأبراج العملاقة بالقرب من الساحل سيجعل مهمتهم أكثر صعوبة وقساوة. إذ يقول "مانويل بونسي ألفا" زعيم الحركة الاحتجاجية لصيادي الأسماك وهو يمسك بخريطة بحرية تحتشد بالأسهم الحمراء: هذا هو المكان الذي تعبر من خلاله أسماك التونة. إن هؤلاء الصيادين من قرى باربيت وفيجر وكونيل البحرية راحوا يدقون أبواب العديد من المسؤولين زاعمين أن هذه الطواحين الهوائية ستؤدي إلى إزعاج وهجرة الصغار من أسماك التونة بشكل غير مسبوق وأن حياة الصيادين نفسها قد أصبحت نهباً للمخاطر. وأشاروا أيضاً إلى أن وجود هذه الأبراج على بعد 10 أميال من الشاطئ داخل المياه من شأنه أن يجبر قواربهم الصغيرة على الالتفاف لمسافات طويلة في المياه المضطربة والهائجة في مضيق جبل طارق. ويقول أنطونيو فارو صائد الأسماك الغاضب أيضاً: لقد تحدثنا وطالبنا طويلاً ولكننا لم نتلقَّ إجابات. ويبدو فعلاً أن احتجاجاتهم قد وقعت في آذان صماء. فمشاريع الطواحين الهوائية أصبحت جزءاً من مساعي وجهود إسبانيا لزيادة إنتاجها من الطاقة القابلة للتجدد في الدولة، ويذكر أن أسبانيا قد أصبحت أصلاً إحدى أكبر الدول الأوروبية المنتجة لطاقة الرياح وتأتي في المرتبة الثانية فقط بعد ألمانيا حيث تصل سعتها إلى 8.500 ميجاواط تكفي لتوفير حوالي 5 في المئة من الطاقة الكهربائية للدولة. وتشير التقديرات إلى أن هذا الإنتاج من الممكن أن يتضاعف بحلول عام 2010.
وفي هذه الدولة التي تستورد معظم احتياجاتها من النفط والغاز والفحم فإن الاندفاع نحو الطاقة التي تنتجها الرياح ظل يمضي قدماً منذ أكثر من عقد من الزمان. وقد استمرت إسبانيا تقدم الدعم الرسمي للشركة الخاصة "ويند باركس" التي بدأت أعمالها أولاً في المناطق الجبلية خلف مدينتي ترافلجار وتاريفا. ثم مضت هذه الأبراج البيضاء اللامعة إلى توسع وانتشار في الشمال وكذلك في الأراضي الوسطى العالية في أسبانيا. وشأنها شأن الطواحين الهوائية الحجرية التي تناثرت في الأفق الإسباني لقرون طويلة فإن هذه التوربينات الحديثة استمرت تتكاثر فوق الأرض إلا أن رجال الأعمال الإسبان أصبحوا الآن أكثر رغبة فيما يبدو في اللحاق بركب الازدهار الأوروبي الهائل الذي تحقق في بناء الطواحين الهوائية الكبيرة داخل البحر. وقد أصبح قاع البحر في كيب ترافلجار أكثر المناطق المفضلة ضمن 6 مواقع بحرية جرت دراستها حيث لا تتضمن وجود منتجعات سياحية مهمة بالقرب منها على الرغم من أن جموع الزوار درجت على المجيء إلى هنا من بريطانيا لزيارة منطقة ترافلجار التي تتمتع بصدى طيب في نفوسهم. وقد اعتاد هؤلاء على الصعود إلى الجبال وهم يحملون المناظير المكبرة ليشاهدوا الموقع الذي اشتبكت فيه أكثر من 60 سفينة بريطانية مع السفن الحربية الإسبانية والفرنسية في عام 1805 في المعركة التي عرفت باسم "الطرف الأغر" التي أسست لتفوق وهيمنة الأسطول البحري البريطاني في القرن اللاحق.
ويشير سيزار ديل كامبو رئيس الكونسيرتيوم الجديد المختص بتنفيذ الخطط التي وضعتها شركة "ويند باركس" إلى أن الموقع تكتنفه العديد من المصاعب التي تتعلق بعمق المياه وسرعة الأمواج ولكن الطاقة التي يمكن إنتاجها سوف تكون غزيرة وعالية. وهو يقول: يتعين عليك أن تنظر إلى مضيق جبل طارق وكأنه نهر سريع الحركة يتغير بحركات المد. وفي ذات يوم قد تأتي عواصف هائلة من المحيط الأطلسي ولكنك لابد أن تعول على الرياح التي تهب في كل يوم. وإلى ذلك فإن تكاليف البناء والتشييد يمكن أن تصل إلى ضعف مستواها على الأرض حيث تتضمن إرساء الدعامات في قاعدة البحر وتمديد الكوابل إلى الشاطئ بالإضافة إلى أعمال الصيانة الأكثر خطورة وتعقيداً. ولكن المختصين ذكروا بأن الاتجاه أصبح يميل الآن نحو طاقة الرياح في داخل البحر بزعامة من شمال أوروبا. وعلى الرغم من أن الطواحين الهوائية المشيدة في البحر الآن لا تزيد سعتها المتوسطة على 600 ميجاواط إلا أن هذه السعة من المتوقع أن تشهد نمواً إلى أكثر من عشرة أضعافها بحلول عام 2010 كما يقول كورين ميليس مدير الج