لم يتردد الفريق أول سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي وزير الدفاع في توجيه رسالة مباشرة وصريحة للإعلاميين العرب مشرحاً الوضع الإعلامي العربي مفنداً مواقع الزلل في الممارسة الإعلامية مؤكداً على أهمية الدور الملقى على عاتقهم. وعلى عادته في الصراحة والوضوح شخص سموه مجمل أمراض الواقع الإعلامي العربي من وجهة نظر متفائلة في المستقبل، محملا الإعلاميين العرب مسؤوليات كبيرة ربما تكون فوق طاقاتهم في ظل الواقع العربي المأزوم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. بدت للكثيرين أمنيات الشيخ محمد بعضاً من حلم جميل لا يمكن أن يتحقق بمجرد الحديث غير مدركين أنه عندما يراهن على حصان اقتصادي أو سياسي أو إعلامي فإنه يراهن على الفكرة ولا يتركها دون دعم أو متابعة أو محاسبة. ولهذا فإن الأمل معقود على سموه للأخذ بيد الإعلام العربي لانتشاله من كبوته التي يعترف بها الإعلاميون قبل غيرهم.
إذا كان الإعلام هو غرفة القيادة في سفينة الوطن، حسب رؤية الشيخ محمد بن راشد فإن الإعلاميين هم ربابنة السفينة وبحارتها. هم ربابنة الكلمة الشريفة والصادقة، وهم ربابنة الهدف الأسمى وهو الإنسان في سعيه المتواصل لحياة حرة كريمة، ورأي لا يصادره البعض، وفكر لا يحجر عليه البعض الآخر بحجة حماية المكتسبات، وهي أطروحة طالما اكتوينا بنار تخريجاتها في الأنظمة الشمولية العربية والأنظمة التي سادت فيها فكرة أحادية النظر وأحادية التوجهات.
إعلام تسويق الأوهام وتزييف الوعي، وإعلام خدمة المتسلطين، وإعلام التستر على الأخطاء، يتمنى سمو الشيخ محمد أن يكون قد انتهى أو شارف على الانتهاء من حياتنا العربية. نريد أن نرى فجراً إعلامياً جديداً يقود مسيرة الأمة العربية لتجابه تحديات العصر مسلحة برؤية حقيقية هدفها الهوية والثقافة والوجود العربي برمته. إن تشخيص حال الإعلام العربي في انكساراته لا يحتاج إلى عدسات مكبرة أو مرايا عاكسة. فمعظم المرض في الجسد الإعلامي العربي كامن في بنيته وفي طرق معالجتة. وإن أردنا الدقة في الحديث فالمرض الصعب كامن في توجهات بعض الحكومات العربية ونظرتها للإعلام والإعلاميين. فكثيراً ما صنف الإعلامي صاحب الموقف القابض على جمرة الحقيقة كونه ينتمي لزمرة المشاغبين، ومثيري الحساسيات، وفي أحسن الحالات يتم قمعه نفسياً إن لم تصله سيارة أجهزة الأمن فجر يوم بارد لتقله إلى سجن غير موجود على الخريطة، ليعود بعد عدة أسابيع أو أشهر إلى أهله وقد اجتز لسانه أو كسرت أصابعه أو زيف وعيه.
إن التفكير في إصلاح الخطاب الإعلامي العربي وفق رؤية الشيخ محمد مطلب صعب ولكنه ليس بالمستحيل لو أن سموه وضع مشرطه على مَواطن التسرطن في جسد هذا الإعلام واجتز الخلايا القاتلة، وقدم للوطن العربي أمثلة على توجهاته لتحريك الماء الراكد في البركة الإعلامية الآسنة. لقد قدم سمو الشيخ محمد أمثلة في القدرة على تحدي المستحيل في صناعة المستقبل اقتصادياً وإحداث نقلات نوعية جعلت من الإمارات مقصداً تجارياً وسياحياً ومركزاً مالياً والكثير من الطموحات التي ستكون أنموذجاً في فكر البناء والتنمية. إذا كانت النظرة إلى الإعلام باعتباره نشاطاً يحتاج إلى إصلاح وتغيير، وإذا كان الإعلام هو اللاعب الرئيسي في قضية الإصلاح والتغيير، فمن باب أولى ووفقاً لتوجهات سموه أن تحدث تغييرات جذرية مهمة في بنية إعلام الإمارات لتكون له الريادة الإعلامية المتوازية مع الريادة الاقتصادية والسياحية.
ويبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: عن أي إعلام نبحث حتى نكون في الريادة؟ وعن أي إعلام يبحث المتلقي المحلي والعربي، وعن أية رسالة نتحدث ونحن نواجه تحديات وأخطار العولمة الثقافية والإعلامية، وماذا نريد أن نقول للمتلقي في دول الغرب عن رسالتنا في الوجود؟ الأهم من كل هذا هل أعددنا العدة لذلك؟.
ما نستلهمه من حديث الشيخ محمد يطرح أكثر من تساؤل ويفضي لأكثر من إجابة ويبقى العنصر الأكثر أهمية هو صناعة وتربية وتأهيل العنصر الإعلامي المواطن في كل دول الخليج وبشكل أخص في الإمارات. فعندما يتم التأكيد على أن الإعلام الخليجي هو الأكثر حضوراً وتأثيراً في العالم العربي، - أهم قنوات الأخبار على المستوى العربي خليجية، والترفيه التلفزيوني المفتوح والمدفوع خليجي الملكية- وأن وسائل الإعلام الخليجية تستقطب وتمنح فرصاً واسعة وممتدة لأهم المفكرين والمبدعين والكتاب العرب، يضاف إلى ذلك أن أكثر الصحف والمجلات العربية انتشاراً وتوزيعاً هي مطبوعات خليجية أو تمول برؤوس أموال خليجية، لأدركنا أن المفارقة في هذا كله هي غياب أو ندرة العنصر الخليجي العامل في مستويات الإبداع والإنتاج الفكري. وفي الإعلام فإن من يصوغ الرسالة في اعتقادي أهم بكثير من الشخص الذي يراجع فواتير الإعلانات أو أرصدة البنوك. فهل استطعنا من أجل أن نكون بمستوى طموحات الشيخ محمد تأهيل جيل من الإعلاميين الخليجيين لتولي المسؤولية وصياغة رسالتنا وفق توجهات التنمية الشاملة التي يتم طرحها في دولنا الخليجية؟
سمو الش