لعل أكثر النواحي إثارة للشعور بالإحباط في كارثة زلزال تسونامي الآسيوية في أواخر الشهر الماضي، هي أن الآلاف من الأرواح والممتلكات كان من الممكن إنقاذها في حال إخطار الأشخاص القاطنين في المناطق الساحلية باقتراب هذه الموجات المهلكة. والآن وفي ظل شروع السياسيين والعلماء في مناقشة السبل الكفيلة بتحسين أنظمة الإنذار المبكر فقد أصبح من الممكن تعلم أحد دروس التاريخ. فخلال الفترة الثانية لإدارة كلينتون أبلغني بعض المسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية وبعض الوزارات والهيئات الحكومية الأخرى بفكرة جيدة تتمثل في ضرورة إنشاء "مركز تحليل" للمعلومات الخاصة بالكوارث الطبيعية لا يقتصر دوره على تجميع البيانات وإنما يشجع أيضاً على إجراء البحوث الخاصة بالتنبؤ عن هذه الكوارث. ويومها أبدى رئيسي "آل جور" نائب رئيس الولايات المتحدة الأميركية آنذاك اهتمامه الشديد بهذه الفكرة، وبعد إجراء مداولات مستفيضة مع الهيئات غير الحكومية بدأنا في إنشاء وتطوير "الشبكة العالمية للمعلومات عن الكوارث" التي تهدف إلى قيام نظام آمن يعتمد على خدمة الإنترنت من أجل تقديم المساعدة للمسؤولين عن إدارة الأزمات والكوارث ضمن خطة عالمية لمواجهة النكبات والاستجابة بفعالية وكفاءة أكبر.
لقد عمدنا حينها إلى إنشاء نموذج أقل تكنولوجية لاختبار هذه الشبكة وشرعنا في استخدامها من أجل تنسيق المعلومات الخاصة بإعصار "ميتش" الذي ألحق دماراً وخراباً هائلين بهندوراس ونيكاراجوا في عام 1998. ولقد ساعدتنا هذه الشبكة في رصد قائمة متسعة من القرى التي تأثرت أكثر من غيرها بالعاصفة قبل أن نتقدم بهذه القائمة إلى منظمات المساعدات والعون الحكومية. وقد تمكنا أيضاً من اختبار هذا النظام مع الروس في مجال تشبيه ومحاكاة الزلازل والكوارث البيئية في الجرف النفطي لجزيرة "ساخالين".
واستناداً على هذه النتائج المشجعة أخذنا نعد العدة لتضمين هذه الشبكة كبندٍ دائم من بنود الميزانية، إلا أن زملاءنا في العديد من الهيئات والوكالات الأخرى سرعان ما أبلغونا أن ارتباط هذه الخطة بنائب الرئيس "آل جور" الذي كان من المتوقع حينها أن يخوض الانتخابات الرئاسية في عام 2000 قد جعل منها هدفاً سياسياً في الكونجرس. وعلى الرغم من ذلك تم إنفاق مبلغ معقول من الأموال من أجل عقد مؤتمر دولي في واشنطن في عام 1998 حيث لقيت الفكرة ترحيباً مقدراً من الممثلين الأجانب.
لقد راودنا الأمل أيضاً في أن تساعد هذه الشبكة العالمية لمكافحة الكوارث في تطوير العمل الجاري أصلاً في المبادرتين الخاصتين بالبيئة. وأول هاتين المبادرتين هي تلك التي تعرف باسم "ميديا" ويجري العمل بها من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. وكان العمل قد بدأ بهذه المبادرة أثناء فترة إدارة الرئيس جورج بوش الأب بتشجيع من السيناتور آل جور في ذلك الوقت بهدف اكتشاف ما إذا كان بمقدور محفوظات الأرشيف والملفات وأنظمة تجميع البيانات الاستخباراتية توفير مؤشرات ودلائل في المسائل المهمة المتعلقة بعلوم وإحصائيات البيئة. وبالفعل فقد تمكنت مبادرة "ميديا" من تحقيق نجاح كبير فيما يتعلق بالمسائل البيولوجية أو تلك التي تختص بالكوارث الطبيعية. ولكنها أيضاً انتهى بها المطاف إلى اكتساب العداء من قبل أعضاء الكونجرس وافتقدت بذلك التمويل اللازم. أما المبادرة الأخرى فقد بدأ العمل بها مبكراً في الفترة الثانية لإدارة الرئيس بيل كلينتون وهي ما أطلق عليه اسم "مركز الاستخبارات البيئي". وعلى الرغم من أنها كانت من الناحية الفنية تتبع لوكالة الاستخبارات المركزية إلا أنها كانت تدار بشكل مستقل خارج مباني وكالة الاستخبارات. ولقد نجحت هذه المبادرة في تحقيق بعض الاختراقات الخاصة بالتجارب عبر تطبيق أنظمة الاستخبارات الخاصة بإدارة الأزمات والكوارث. ولكن تماماً كما حدث لسابقتها فقد انتهى بها الأمر إلى الاختفاء والزوال لأسباب تتعلق بالسياسة.
واليوم وحتى بعد أن تمكنت "الشبكة العالمية لمعلومات الكوارث" من البقاء، فإنها ما زالت عبارة عن مجرد موقع للإنترنت يعمل كمنتدى نقاشي يتداول فيه عدد كبير من المسؤولين عن إدارة الأزمات والكوارث آراءهم وأفكارهم. لقد تمكنت هذه الشبكة من إحراز نجاح ملحوظ في شتى المجالات ولكنها ما زالت تفتقد إلى الدعم والمساندة من قبل الولايات المتحدة، وبذلك لم يتسن لها التطور والتقدم إلى المستوى الذي أريد لها لكي تصبح قوة فاعلة في توفير المعلومات الخاصة بخطط الطوارئ في جميع أنحاء العالم وفي مجال تطوير العلوم الخاصة بالتنبؤ بالكوارث.
إن أكثر ما يثير الآلام هو مجرد التفكير فيما كان من الممكن أن يحدث لو أن الكونجرس قبل سبعة أعوام من الآن قد وقف بقوة إلى جانب خطتنا الخاصة بإنشاء هذه الشبكة. وذلك لسبب واحد هو أن أجهزة الاستشعار العالية الكفاءة والفعالية لزلزال تسونامي كان من الممكن أن يتم تطويرها ووضعها في قاع المحيط الهندي. وعندما ضربت الزلازل ساحل سومطرة في السادس والعشرين من ديسمبر كان بإمكان