في الوقت الذي بدأ يعود فيه الهدوء إلى المناطق المطلة على المحيط الهندي التي اجتاحها زلزال تسونامي في أسوأ كارثة طبيعية تضرب الكرة الأرضية منذ عقود طويلة بدأت الآثار السياسية الناجمة عنها تتشكل لتوّها داخل هذه المنطقة وفي جميع أنحاء العالم الأخرى، بما في ذلك بالطبع الولايات المتحدة الأميركية نفسها. وبادئ ذي بدء هنالك مليارات الدولارات التي بدأت تتدفق على المناطق المنكوبة في شكل مساعدات ودعم وقد بدأت أصلاً في تغيير الحياة السياسية في المنطقة. في سيريلانكا على سبيل المثال فإن المناطق المدمرة تتضمن إقليماً تسيطر عليه جماعات نمور التاميل الانفصالية التي ظلت تشن حرب عصابات دموية شرسة ضد السلطات منذ عام 1983. والآن فإن الحكومة والمتمردين قد شرعا على الأقل في التعاون والتنسيق في عمليات تنظيم وتوزيع هذه المساعدات الدولية. لذا فقد أصبح من الممكن أن تؤدي هذه الكارثة الطبيعية في نهاية المطاف إلى نوع من التصالح والتسوية السياسية.
ومن جهة أخرى فإن إندونيسيا هي الأخرى قد تبرهن على أنها أكثر تأثراً بهذه العوامل الجديدة التي نجمت عن الكارثة الإنسانية. فهذه الدولة قد توحدت في عام 1949 في أعقاب رحيل الاستعمار الهولندي وهي تحتوي على أكثر من 300 مجموعة عرقية وتتألف من 13.700 جزيرة تمتد على طول مساحة تبلغ 3200 ميل. وفي إقليم أتشيه وحده بلغ عدد القتلى أكثر من 100.000 شخص وهو ذات الإقليم الذي ظل يعاني من الاضطرابات وحروب التمرد ضد حكومة جاكرتا لفترة تزيد على الثلاثين عاماً. كانت مجموعة البحوث وتحليل السياسات المعروفة باسم "راند كورب" قد وصفت هذه الصراعات مؤخراً في إندونيسيا بأنها "التحدي الأكبر من نوعه الذي تواجهه تلك الدولة في سبيل تحقيق التكامل الإقليمي". إذن ما الذي سيحدث عندما يأتي الغربيون وبخاصة الأميركان بهذه المساعدات إلى هذه المناطق التي يقطنها المسلمون من السنّة؟ من المؤكد أنهم لن يرفضوا استلام هذه المساعدات والأطعمة، كما أن إمكانية وجود وإنشاء البنية التحتية على المدى الطويل واللازمة لربط هذه الأقاليم بأنظمة الإنذار المبكر من فيضان تسونامي سينظر إليها بأعين الريبة والتشكك.
وإلى ذلك فإن السياسة الدولية في مجملها ستطالها يد التغيير أيضاً. وفي أسوأ تعبير يمكن التوقف عنده كزلة لسان تاريخية وصف جان إيجيلاند منسق برنامج المساعدات في منظمة الأمم المتحدة مؤخراً جهود الدعم الغربي للدول المنكوبة في منطقة المحيط الهادئ بأنها "شحيحة تتسم بالبخل". وهذه الكلمات التي تفتقد إلى الدبلوماسية قد أدت فيما يبدو إلى تأجيج حالة من الغضب في داخل الولايات المتحدة الأميركية إلى الحد الذي جعل الرئيس جورج بوش يشن هجوماً على إيجيلاند ويصفه بأنه شخص "مضلل ويفتقد إلى المعلومات". وغني عن القول إن إدارة بوش قد بدأت تفقد ثقتها في منظمة الأمم المتحدة تحت قيادة سكرتيرها العام كوفي عنان وبخاصة في أعقاب الكشف عن فضيحة النفط مقابل الغذاء. والآن فإن كارثة تسونامي فيما يبدو قد منحت الولايات المتحدة الفرصة لكي تبرهن على أن باستطاعتها أن تؤدي بشكل أفضل من الأمم المتحدة فيما يختص بإدارة الجهود الدولية في تقديم المساعدات والدعم الإنساني. وفي معرض ترويجه لمعسكره الجديد "تحالف الراغبين" - الذي يضم الولايات المتحدة بالإضافة إلى دول أستراليا والهند واليابان- قال الرئيس بوش يومها "إنني على ثقة من أن العديد من الدول ستنضم إلى هذا التحالف في وقت قريب".
إن كبار المحافظين المتنفذين في واشنطن اليوم يطالبون بضرورة إيجاد البديل المناسب لمنظمة الأمم المتحدة، وعلى سبيل المثال فإن "منظمة التراث والبناء" قد تبنت فكرة "تحالف الديمقراطيات". لذا ففي حال أن الكونسيرتيوم الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية لمكافحة آثار تسونامي قد قدر له أن يحقق النجاح عندها يمكننا توقع المزيد من تدفق هذه المساعدات. وفي الحقيقة فإن الهدف النهائي للعديد من المحافظين الجدد بدأ ينصب على التخلص من الأمم المتحدة نفسها.
وفيما يختص بالسياسة المحلية الأميركية فقد عمد الرئيس بوش إلى تنصيب شقيقه الأصغر حاكم فلوريدا "جيب بوش" كمدير لجهود المساعدات في كارثة تسونامي. وفي الوقت الذي تنفي فيه إدارة بوش وجود أية دوافع سياسية تقف وراء هذه الجهود فمن المفيد أن نستدعي إلى الذاكرة كيف أن هربرت هوفر قد أصبح رمزاً وطنياً نسبة لما قدمه من أعمال جليلة في إطار تقديم المساعدات الإنسانية في أوروبا بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها. وفي عام 1928 أصبح هوفر المرشح الجمهوري الفائز بالرئاسة.
لقد تعهد جيب بوش بأنه لن يترشح للرئاسة في انتخابات عام 2008. ولكن بيل كلينتون كان قد عبر عن ملاحظات مماثلة قبل أن يترشح لدخول البيت الأبيض في عام 1992. وحتى في حال أن حافظ "جيب بوش" على وعوده فإن المراقبين يعتقدون أنه ما زال أمامه الكثير من الوقت لكي يقرر ترشيح نفسه لاحقاً. وقد صرح لانس دي هافين سميث الأستاذ في جامعة ولاية فلوريدا قائل