تحدث الكثيرون عن العقبات والمشكلات والتحديات التي تواجه الإعلام العربي، ولكن الملاحظ أن هناك تركيزاً كبيراً على الجوانب الإجرائية والتنظيمية من بين هذه المشكلات والتحديات مع غياب أو تغييب للتحديات التقنية أو التكنولوجية التي تواجه "صناعة الإعلام" بشكل عام، حيث تشكل هذه التحديات تهديداً ربما يفوق في خطورته ما تفرزه البيئة التنظيمية والقانونية التي يعمل الإعلام العربي في إطارها. ومن هنا تبرز أهمية موضوع المؤتمر السنوي العاشر لـ"مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية" الذي بدأ أمس تحت رعاية الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
ومنذ انطلاقة "الإنترنت" واندلاع ثورة المعلومات، يتساءل الكثيرون من الخبراء عن تأثيرات هائلة لهذا التطور المفصلي على مختلف جوانب الحياة وخصوصاً وسائل الإعلام، التي شهدت انقلاباً حقيقياً بدأ بتغيير جذري في طريقة الوصول إلى الخبر والمعلومة وكسر احتكار الإعلام في نقل الخبر والحدث، وتحطيم جانب من سطوة المعرفة التي كان الإعلام التقليدي يتمتع بها، وتغيرت بالتالي العادات التقليدية وتهددت بالتبعية اقتصادات الوسائل الإعلامية التي سارعت بدورها إلى الاستفادة مما توفره ثورة المعلومات من فرص ورهانات. وظهر ما يسمى بالصحافة الإلكترونية التي تمتلك هيئات تحرير متخصصة ومنفصلة عن هيئات تحرير النسخ المطبوعة، وتحولت الصحافة الإلكترونية إلى خطر حقيقي يهدد الإعلام المقروء، في ظل تجاوز الإنترنت لإشكالية المساحة التي كانت عائقاً أمام الصحافة المكتوبة حيث قدمت الإنترنت للبشرية فضاء معرفياً من دون حدود للمساحات أو لاستخدام المؤثرات السمعية والبصرية في جذب الجمهور، ناهيك عن أن "الإنترنت" قدمت للجميع حلا مجانياً تغلب على إشكاليات الرقابة الرسمية منها والذاتية، التي كانت تعوق في كثير من الدول حق الجمهور في معرفة الحقائق. ورغم وجود آليات للرقابة والسيطرة على المواد التي تنشر عبر صفحات "الإنترنت"، فإن التطور المتلاحق للشبكة يجعل من الصعب ـ اقتصادياً وتقنياً ـ على الدول والحكومات ملاحقة أية مواد ترغب في منعها، والحيلولة دون وصولها للجمهور. كما تغلبت الإنترنت أيضاً على قوانين منع الدخول التي لاحقت الكثير من الإصدارات الصحفية في دول عدة. أما شبكات التلفزة فقد واجهت بدورها خطراً وجودياً موازياً اضطرها إلى التحالف مع ثورة المعلوماتية، وبات للشبكات التلفزيونية الشهيرة "نسخ إلكترونية" تنافس في جودتها الدور الذي تقوم به وكالات الأنباء التي ما زالت تدفع فاتورة هذا التقدم التكنولوجي الهائل.
المؤتمر إذاً يفتح ملفاً استراتيجياً مهماً ومؤثراً ويسهم في إضاءة الطريق للدول العربية كي تتجاوب مع معطيات العصر وتتحول إلى طرف مشارك في صناعة التاريخ ولا تكتفي بمجرد المتفرج في عصر لا يوفر مقاعد متميزة للمشاهدين والمتفرجين على صناعة الأحداث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية