تشهد بعض الصفحات الإعلانية بالصحف المحلية، وكذلك الصحف المجانبة التي تكاثرت كالفطر خلال الآونة الأخيرة ظاهرة فريدة تتمثل في إضفاء نوع من المشروعية المجتمعية على ممارسات نعتقد أنها لا مشروعة أو خارج نطاق العرف والعقد الاجتماعي. ومن هذه الممارسات الإعلان عن الدروس الخصوصية التي بدأت على استحياء في ملصقات حائطية ثم انتقلت بجرأة لتقتحم الصفحات الإعلانية وبمساحات تدرجت من مساحات صغيرة ضمن أعمدة الإعلانات المبوبة حتى باتت تحتل صفحات كاملة متخصصة في الترويج لهذه الظاهرة السيئة. وهناك أيضا ظاهرة الإعلان عن شقق للإيجار وتذييل الإعلان بطلب "خلو" أو "مقابل تنازل" يحدده المؤجر الحالي ويدفعه من يرغب في تأجير الشقة المعلن عنها، وبات طلب هذا "الخلو" لافتا، وبمقابل متزايد يصل إلى 7 آلاف درهم مقابل التنازل عن الشقة!.
ويعجب المرء حينما يسمع أحاديث تتداول عن "أزمة مساكن" في إمارة أبوظبي، ويعجب أكثر وأكثر حينما يسمع من أطراف أخرى أن هذه الأزمة "مفتعلة" وأن هناك ما يشبه المافيا التي تتحكم في توجيه سوق العقارات والإيجارات في العاصمة، وأن مكاتب العقارات تشترك في ذلك مع "النواطير" ووكلاء مالكي البنايات في إدارة شؤون السوق لمصلحتهم بعيدا عن نظريات العرض والطلب والسوق الحر واقتصاد السوق، على اعتبار أن السوق حر ولكن من وجهة نظر هؤلاء وفق الاتجاه الذي يخدم مصالحهم. فمادام السوق حرا فهم بالتبعية أحرار فيما يفعلون وعلى المتضرر أن يضرب رأسه في أقرب أو قل أمتن حائط !
إن ظواهر وممارسات مثل "الخلو" والدروس الخصوصية هي أمراض اجتماعية عابرة للقارات انتقلت إلينا بفعل فئات وطبقات طفيلية من العمالة الوافدة التي "تتاجر" في كل شيء، وتطرق جميع الدروب من أجل الحصول على المال وتعظيم مكاسبها خلال فترة إقامتها في الدولة، وللأسف لا تجد هذه الفئات أي رادع يحول بينها وبين هذه الممارسات البغيضة كما أن المواطن أو الوافد الذي يرغب في مواجهة هذه المافيا لن يحصد سوى الخيبة والفشل، فالجهات المعنية "تناشد" الجمهور الإبلاغ عن ممارسي مثل هذه الأمور، بينما الأمر لا يحتاج إلى إبلاغ ولا خطوط ساخنة ولا جهد من أي نوع، ويكفي مطالعة أي من هذه الصحف ليتعرف المرء إلى أرقام الهواتف المنشورة لهؤلاء المبتزين سواء كانوا من طالبي "الخلو" أو من شريحة المدرسين الخصوصيين، وغالبيتهم من القادمين بتأشيرات زيارة أو من العاملين السابقين في وزارة التربية والتعليم، وأيضا من عدد لا بأس به من المدرسين الحاليين في المدارس الحكومية والخاصة. والمثير للحنق أن هذه الممارسات تنضم إلى ظواهر سلبية عدة تنتشر وتتضخم تحت مسمى السوق المفتوحة أو بالأحرى "الجيوب المفتوحة"!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية