تُعد الصحف الإسرائيلية من الأكثر جرأة ربما في العالم بأسره، وهذا يعود إلى سببين، أولهما: ديمقراطية المستوطنين، وهي الديمقراطية التي تسود في الجيوب الاستيطانية والتي تنطبق على المستوطنين الوافدين ولا تنطبق البتة على السكان الأصليين أصحاب الأرض. وثانيهما أن المجتمع الإسرائيلي هو "تجمع" غير متجانس يضم عشرات الجماعات ذات الانتماءات العرقية والإثنية والدينية والأيديولوجية، وهي جماعات متصارعة بطبيعة الحال. وقد وجدت النخبة الحاكمة في الدولة الصهيونية أن الطريقة الوحيدة لاحتواء كل هذه التيارات والجماعات هي منحها الفرصة للتعبير عن نفسها من خلال الصحافة والإعلام، واستيعابها في العملية السياسية بما في ذلك اتخاذ القرار. ولا تتردد الصحف الإسرائيلية في إعطاء صورة دقيقة للبطش والاضطهاد الصهيونيين بالفلسطينيين، ولا التفرقة العنصرية الواقعة عليهم. فعلى سبيل المثال، أصدرت منظمة "بتسليم"، وهي من أبرز جماعات الدفاع عن حقوق الإنسان في إسرائيل، وثيقةً جديدةً تدمغ ممارسات إسرائيل العنصرية ضد الفلسطينيين وعنوانها هو "الطرق الممنوعة: نظام طرق الضفة الغربية العنصري".
وقد جاء فيها أن إسرائيل تقيد حرية التنقل في 41 طريقاً أو جزءاً من طرق في الضفة الغربية، والتي تصل إلى حوالي 700 كيلو متر. وقد قسمت "بتسليم" هذه الطرق إلى ثلاثة أقسام: 1- طرق جدباء حيث يُمنع مرور أي فلسطيني. 2 - طرق يُطلب من الفلسطينيين تصاريح خاصة للمرور فيها، وهذه التصاريح تصدرها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية حسب هواها، فرفض إصدار التصريح يعطي شفهياً وبدون تفسير وكما قال رئيس الإدارة المدنية، البريجادير جنرال إيلان باز "لا توجد معايير محددة أو واضحة للبت في الطلبات الخاصة بالتصاريح".3 - طرق يُسمح فيها للفلسطينيين بالحركة بدون تصريح ولكن وفق شروط مقيدة.
وهذا النظام ينطبق على الفلسطينيين وحدهم. فالسيارات الإسرائيلية يسمح لها بالحركة دون أية قيود على هذه الطرق. ويفترض نظام الطرق الممنوعة أن كل فلسطيني يشكل تهديداً أمنياً، مما يعني إهدار حقوق الفلسطينيين في الحركة داخل الأرض المحتلة بعد عام 1967. وأضافت الوثيقة أن نظام الطرق الممنوعة يذكر المرء بنظام مماثل طُبق في جنوب أفريقيا أيام نظام الفصل العنصري. ونظام الطرق الممنوعة مطبق منذ عدة سنوات ولكن قواعد تطبيق هذا النظام لم تصدر قط في قانون مكتوب، وبالتالي تتملص إسرائيل من المحاسبة.
وقد أعربت شالوميت ألوني وزيرة المعارف والثقافة السابقة، عن غضبها من أن الدولة الصهيونية أصبحت دولة للفصل العنصري، فقالت:"لاحظت قبل فترة أن الجيش الإسرائيلي يحرم الفلسطينيين من السير في عدد كبير من الشوارع في الضفة الغربية. وعرفت ذلك عندما قُدم عدد منهم إلى المحاكمة وصُودرت سياراتهم لأنهم خالفوا الأوامر واستخدموا الطرق اليهودية. واستغربوا من هذا الإجراء وقالوا إنهم لم يعلموا بأن هذه الطرقات مقصورة على اليهود. فتوجهت إلى أحد كبار قادة الجيش وسألته، فأكد لي النبأ. فسألته: كيف يعرف الفلسطينيون أن هذه الطرق محظورة عليهم مع عدم وجود لافتات تشرح لهم ذلك. فأجابني: تعمدنا ألا نضع لافتات، فهل تريدين أن يراها صحفي أجنبي معاد للسامية، فيكتب أن إسرائيل دولة فصل عنصري؟. فماذا تفهم من هذا الجواب؟. أولاً: إن إسرائيل هي فعلا دولة فصل عنصري. وهذا لا يقلق أحداً، فما يقلقهم فقط هو أن يُكتب عن ذلك في الصحافة الأجنبية. وإذا كتبه صحفي ما، فإنه يصبح معادياً للسامية".
وينعكس هذا الموقف العنصري على سلوك الجنود الإسرائيليين. وما زالت ماثلة في الأذهان صورة محمد الدرة، الطفل الفلسطيني الذي قتل عمداً رغم كل توسلات أبيه. وقد تكرر الحادث وبطريقة أكثر فظاعة. ففي مقال بعنوان "عشرات الأبرياء قُتلوا في قطاع غزة في ملابسات لا تختلف كثيراً عن ملابسات مقتل إيمان الهمص " (هآرتس، 23 نوفمبر 2004) يتساءل عاموس هرئيل: "لماذا أطلق قائد السرية وجنوده النار على طفلة، وهي على مسافة مائة متر من الموقع؟ ولا يمكن القول إنها كانت تشكل خطراً على الجنود الموجودين في الموقع المحصن، فهي لم تكن مسلحة، وكان واضحاً لبعض المشاركين في الحدث حتى في المرحلة الأولى بأن الحديث يدور عن طفلة. وفي شرائط شبكة الاتصال سُمع الجندي في موقع الرقابة يبلغ بأن هذه طفلة صغيرة، وبعد ذلك قال إنها ميتة من الخوف. ومع ذلك استمر إطلاق النار. فإيمان الهمص ليست وحيدة: عشرات الأبرياء قُتلوا في قطاع غزة، في ملابسات لا تختلف كثيراً عن ملابسات مقتلها".
ويشير عوزي بتنزيمان (هآرتس، 26 نوفمبر 2004) إلى أن منظمة "بتسليم" أكدت أن الطفلة إيمان الهمص ليست الوحيدة: فخلال السنوات الأربع الأخيرة (من 29 سبتمبر 2000، حتى 15 أكتوبر 2004)، قُتل 2950 فلسطينياً، منهم 592 قاصراً، وكان ما لا يقل عن 1625 من القتلى ممن لم يشاركوا في القتال ضد إسرائيل.
وفي مقال بعنوان:"جنود إسرائيليون يعترفون: التنكيل بالسكان لم يستثن الشيوخ والرضع والسرقة شملت كل ما ي