لقد استجاب العالم لكارثة تسونامي التي ضربت سواحل المحيط الهندي مؤخراً، بتعهدات والتزامات مالية غير مسبوقة. غير أنه ليس مستبعداً ألا يجد الجزء الأعظم من تلك الأموال والتعهدات الدولية المعلنة بتقديم المساعدات الإنسانية والتنموية، طريقه إلى المنكوبين بالفعل، على حد قول بعض المحللين والمسؤولين الحكوميين في مناطق لا تزال بانتظار الدعم والمعونات في كوارث طبيعية ضربتها من قبل. والمنطق الذي يبني عليه هؤلاء المحللون والمسؤولون كلامهم هو أنه إذا كان العالم لم يفِ بتعهداته في كوارث طبيعية تعرضت لها بعض المناطق سابقاً، فما الضمان لأن يفي بما أعلنه من تعهدات هذه المرة؟ وكان الأمين العام للأمم المتحدة قد أعلن قبيل انعقاد مؤتمر المانحين بالعاصمة الإندونيسية يوم الخميس الماضي، أنه قد انهالت التزامات الدول والجهات المانحة في كارثة تسونامي الأخيرة، بما يتجاوز الثلاثة مليارات دولار. غير أن الشكوك تسربت إلى تصريح كوفي عنان المذكور، استناداً إلى التجارب السابقة التي تعهدت فيها الدول والحكومات في كوارث مشابهة، دون أن تفي بالتزاماتها إلى اليوم. فعلى أصداء وخلفية تلك الشكوك، أعرب الأمين العام للمنظمة الدولية عن أمله في أن تصل التعهدات المالية الخاصة بكارثة تسونامي، كاملة وفي موعدها المحدد.
وقد لاحظت الأمم المتحدة والعديد من وكالات ومنظمات العون الإنساني الإقليمية والدولية مراراً، أنه وما أن تنفض الاجتماعات والمؤتمرات، ويسدل الستار على الخطب والبهرجة والأضواء والكاميرات، ويبدأ العمل وتشرع الحكومات فعلياً في جمع ما وُعدت به من تعهدات والتزامات، حتى تصل إلى المنكوبين والدول المحتاجة رسائل وردود من قبيل "الشيك في طريقه إلى البريد" وغيرها. وتمضي سنوات وسنوات على المأساة، دون أن يصل الشيك مطلقاً، لا إلى البريد ولا إلى البنك!
ومن ذلك مثلا أن الرئيس الإيراني محمد خاتمي شكا في شهر ديسمبر الماضي، من أنه من جملة مبلغ التعهدات والالتزامات الدولية الموعود بها منذ زلزال بام الذي ضرب إيران في عام 2003، لم تتسلم بلاده سوى 17 مليون دولار، من أصل 1.1 مليار. وفي مثال آخر، كانت الحكومات والدول قد قطعت وعوداً جازمة بتقديم معونات مالية سخية، بلغ مقدارها 9 مليارات دولار، لدول مناطق أميركا الوسطى التي ضربها إعصار "ميتش" في عام 1998. وقد جاء ذلك التعهد في المؤتمر الدولي الذي اجتمعت فيه الحكومات والمؤسسات الدولية المانحة في العاصمة السويدية ستوكهولم عام 1999. وكان المبلغ المذكور قد قصد منه توفير المساعدات الإنسانية العاجلة، فضلا عن دعم مشروعات إعادة البناء والتنمية على المدى البعيد في المنطقة المنكوبة، وفقاً لتقرير مالي صادر عن "بنك إنتر أميركان للتنمية". لكن وبعد مضي خمس سنوات على ذلك المؤتمر، لم تستلم منطقة أميركا الوسطى سوى أقل من ثلث المبلغ الموعود. وفي حادثة ثالثة مماثلة، قصرت الحكومات والمؤسسات المانحة كثيراً في الإيفاء بالتزاماتها للهند، إثر الهزة الأرضية التي ضربت منطقة "جوجارات" في عام 2001. أضف إلى ذلك سلسلة التقصير الدولي وعدم الوفاء بالوعود إزاء كل من كارثة الفيضانات التي شهدتها موزمبيق عام 2000، وغيرها من الكوارث الطبيعية التي وقعت في مناطق مختلفة من العالم، مما هو مسجل في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية.
ولا يقف هذا التقصير عند الكوارث الطبيعية وحدها، وإنما يمتد ليشمل المساعدات المتعلقة بالكوارث التي من صنع الإنسان أيضاً. فقد وعدت دول العالم ومؤسساته بتقديم مساعدات إنسانية إلى ليبيريا التي مزقتها الحروب والنزاعات الداخلية في شهر فبراير الماضي، بلغت قيمتها ما يزيد على 500 مليون دولار بنهاية العام الماضي 2004. ولكن على الصعيد العملي، لم تتسلم ليبيريا سوى مبلغ 65 مليوناً فحسب. وتعليقا على كل هذه الشواهد قال ديفيد رودمان الزميل الباحث في "مركز التنمية الدولية" في واشنطن، إن التعهد الدولي بتقديم المساعدات والمنح، لا يعنى التزاماً حرفياً بما قيل. وتثبت كل التجارب السابقة أن الدولة الموعودة بالمساعدات، تكون محظوظة للغاية في حال تسلمها لنصف قيمة المساعدات التي وعدت بها في تلك المحافل والمؤتمرات الدولية التي تعقد في مثل هذه المناسبات. ويمضي ديفيد رودمان خطوة أبعد في توضيح الأمر بقوله إن المشكلة أن هناك آراء متباينة ومتضاربة حول ما يشكل المساعدات الإنسانية أصلا. ولهذا السبب فإن تعهد دولة ما، لا يعني بالنسبة لها بأي حال من الأحوال، أنها ملزمة بتسليم مجموعة من الحقائب المرصوصة بالدولارات، أو أن تحول المبلغ الذي التزمت به لحساب الدولة الموعودة في أحد المصارف الإقليمية أو الدولية. إلى ذلك فإن بعض التعهدات قد تتخذ شكل قروض لا ربحية أو ضئيلة الربحية. وتنطبق هذه الحالة الأخيرة على نصف المساعدات التي وعدت بها أستراليا يوم الأربعاء الماضي، علماً بأنها تعهدت بتوفير مبلغ 75 مليون دولار. وهناك من التعهدات ما يستغرق الإيفاء به مدة زمنية طويلة، تقرر له م