من يتابع ما تنشره صحافتنا المحلية بدقة، يدرك بسهولة أن هناك تفاعلا جماهيرياً مع أعمدة يومية محددة في هذه الصحف، وهذا التفاعل أمر إيجابي يصب في مصلحة الطرفين، الجريدة والقراء معاً. فالعمود الصحفي الرصين يضيف قيمة نوعية للصحيفة ويجذب إليها مزيداً من القراء ويحقق لها شعبية متنامية. وبموازاة ذلك، فإن العمود الصحفي الجيد يسهم في حل مشكلات القراء عن طريق طرحها والبحث عن حلول لها، خصوصاً إذا كان ما يعرضه العمود من وجهات نظر للقراء تعبر عن مشكلات تعانيها قطاعات عريضة منهم. ولكن هذا التفاعل يكشف في المقابل عن أمرين مهمين، أولهما إخفاق صفحات بريد القراء اليومية المتخصصة التي تصدرها هذه الصحف تحت عناوين عديدة في أداء دورها. فبدلا من أن تقوم أبواب القراء بطرح الإشكاليات وأوجه المعاناة اليومية والهموم الحياتية في مختلف المجالات باعتبارها قناة تواصل مباشر بين الجمهور والمسؤولين، تحولت هذه الصفحات إلى سطور يومية روتينية مملة لا تنبض بالحياة ولا تحظى باهتمام هيئات التحرير في صحفنا المحلية أو معظمها على الأقل. وبدلا من أن تكون هذه الصفحات واجهة يومية يتعرف المسؤولون من خلالها إلى هموم الناس وأوجه معاناتهم، وبدلا من أن تسهم هذه الصفحات في بناء رأي عام واع تحولت هذه الصفحات إلى منتديات شبيهة، أو مستنسخة، من تلك التي نطالعها على "الإنترنت" حيث تمتلئ بأشعار الهواة والنكات والمواقف الطريفة وقصص وحكايات من دون أي هدف أو التزام بمساحات معينة في النشر، أو حتى فكر تحريري واضح في الإشراف على هذه الصفحات. ولذا نأمل أن تلعب أبواب بريد القراء دورها المنشود في إحداث نوع من الحراك المجتمعي تجاه قضايانا المثارة على الساحة.
والأمر الثاني أن انصراف القراء عن نشر شكاويهم ومناشداتهم للمسؤولين في أبواب القراء والتركيز على مخاطبة أعمدة صحفية بعينها، يعكس مقدرة القراء على اكتشاف توازنات القوى في العلاقة بين الصحافة والدوائر الرسمية، حيث يمكن أن نلحظ بسهولة أن القراء يتفاعلون ويخاطبون هذا العمود أو ذاك ربما إدراكاً لحجم تأثير العمود الصحفي، سواء بحكم تأثير وقيمة كاتبه، أو انطلاقاً من تأثير العمود المستمد من الثقل النوعي للصحيفة ذاتها، أو بحكم تميز العمود إخراجياً بشكل يمنحه معدلات مقروئية عالية مقارنة بغيره.
ونعتقد أن هناك تقدماً نوعياً ملموساً تحقق خلال الآونة الأخيرة في فن كتابة العمود الصحفي في صحفنا المحلية، وهذا أمر إيجابي يحسب لصحافتنا، ولكننا مازلنا ننتظر المزيد على هذا الدرب في ظل هامش الحرية المتاح، وكذلك في ضوء أهمية دور كتاب الأعمدة الصحفية في إبراز شخصية الصحيفة وجذب المزيد من القراء إليها في سوق تتسم بالتنافس الإعلامي الشرس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية