اعتادت ماريا ايجليسياسي في مدينة سان أنطونيو في هندوراس أن تغادر منزلها في السادسة صباحاً في موسم الصيف إلى أقرب حوض للمياه من أجل مزاولة أعمالها الروتينية هناك قبل العودة إلى منزلها في تمام الرابعة بعد الظهر. ولكنها الآن أصبحت تنفق جل وقتها في المنزل بالقرب من أبنائها بفضل التطورات التي طرأت ودخول المياه إلى منزلها. ففي جميع أنحاء الدول النامية هنالك حوالي 700 مليون شخص دخلت المياه الصالحة للشرب إلى منازلهم منذ عام 1990. والآن ولأول مرة فإن أكثر من نصف تعداد سكان العالم أصبحت منازلهم مرتبطة بأنابيب المياه وفقاً لتقرير شهر أغسطس الصادر من منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة.
إن هذا التقدم الذي حدث بالاقتران مع انتشار أنظمة الرعاية الصحية أدى إلى انخفاض معدلات الأمراض المتعلقة بقلة وانعدام النظافة وإلى الدفع بالمزيد من الطلاب إلى قاعات الدراسة وبدأ في كسر دائرة الفقر في المناطق الحضرية عبر توفير المياه بتكلفة رخيصة. وبالنسبة إلى ملايين النسوة مثل ايجليسياسي فإن أكثر الفوائد التي تحققت بشكل مفاجئ من أنظمة المياه الجديدة هو توفير الوقت. إذ تقول ماريا سميث نيلسون المشاركة في تأسيس مجموعة "ووتر بارتنرز أنترناشونال" التي تنفذ مشاريع في أميركا الوسطى وأفريقيا وآسيا: كلما تقدمنا بسؤال إلى إحدى النسوة عن مدى التغيير الذي أحدثته مشاريع المياه على حياتها سرعان ما تأتي الإجابة بأنه قد أصبح لديها المزيد من الوقت لرعاية أبنائها. وتمضي قائلة: لقد انصب تركيزنا على الصحة والشبكات الصحية وأصبحنا نستمع إلى حكايات عن مدى التحسن الذي طرأ على نمط الحياة.
ولكن في المناطق الريفية في الدول النامية فإن مهمة جلب المياه ما زالت تقع بالكامل على عاتق النسوة. ففي جبال هندوراس وفي الريف الأفريقي على حد سواء ظلت المرأة عادة تضطلع بمهمة الذهاب إلى أقرب مورد للمياه لتغسل كافة ما تحتاجه هناك قبل العودة مرة أخرى إلى منزلها، وهي تتجشم حمل الملابس والأواني المنزلية الثقيلة. وفي تنزانيا اعتادت بعض النسوة على قطع مسافة تتراوح ما بين 4 إلى 6 أميال في الذهاب فقط بينما يبلغ طول هذه الرحلة مسافة 10 أميال في أثيوبيا ما يجبر المرأة على إنفاق 6 ساعات في المشي كل يوم. والآن وبعد أن تم ربط أكثر مشاريع المياه بدائية فإن النساء في الأرياف قد وجدن أنفسهن يتمتعن بالوقت المطلوب لكي يجعل منهن ليس فقط أمهات صالحات بل نساء بوسعهن رعاية المنزل والمساهمة في نمو الاقتصاد.
وعلى سبيل المثال، فقد تمكنت السلطات التنزانية من بناء مدارس جديدة في غضون خمسة أشهر فقط في المناطق التي توفرت فيها المياه حيث أصبح لدى المرأة الوقت الكافي لممارسة الزراعة. ووفقاً للسفارة التنزانية لدى الولايات المتحدة فإن مثل هذه المشاريع استمر تنفيذها لمدة تزيد على ثمانية أشهر في المناطق التي ظلت فيها المرأة تمضي أيامها وهي تبحث عن الماء. بل إن الأطفال الذين لم يعودوا بحاجة إلى توفير المياه أصبحوا أكثر رغبة في الذهاب إلى قاعات الدراسة من أجل كسر دورة الفقر كما تقول سميث- نيلسون. ومن جهة أخرى فقد أشار الخبراء إلى أن التحسن في الظروف الصحية يمكن أن تكون له آثار مماثلة. ويقول تيسا واردلاو محلل البيانات في تقرير منظمتي الصحة العالمية واليونسيف: إذا لم تستطع الفتيات الوصول إلى مراحيض خاصة فلن يذهبن إلى المدارس. إن حقيقة أن نصف العالم ليست لديه إمكانية الوصول إلى مرافق صحية مناسبة أمر لا يمكن تبريره.
يذكر أنه ضمن الجهود التي تقف خلف هذا التقدم استثمارات تصل إلى نحو ثلاثة مليارات دولار سنوياً تأتي من 189 دولة تعهد قادتها في عام 2000 بتحقيق هدف يتلخص في خفض أعداد الأشخاص الذين يفتقدون إلى المياه المستدامة الصالحة للشرب والظروف الصحية الأساسية بمقدار النصف بحلول عام 2015 قياساً على البيانات الخاصة بعام 1990. لقد مضت هذه الجهود والمساعي وهي تفرز نتائج مختلطة، وظل العالم يتتبع هدفه الخاص بتوفير المياه الصالحة للشرب بقيادة من منطقة جنوب آسيا التي حققت تقدماً متسارعاً وفقاً لتقرير منظمتي الصحة العالمية واليونيسيف. ولكن في مجال الصرف الصحي فقد اختلفت الحكاية حيث إن آسيا وأفريقيا شبه الصحراوية ومنطقة الأوقيانوس ما زالت متخلفة عن الجدول المحدد.
ويعود هذا التخلف بشكل رئيسي إلى كبر حجم التمويل اللازم، كما أن الظروف الهندسية تختلف باختلاف كل منطقة حيث إن المياه يمكن استخراجها بسهولة في المناطق الجبلية عبر الاستفادة من عامل الجاذبية بينما تصعب هذه المهمة في الصحارى المسطحة. ولقد أدلت السياسة بدلوها وبخاصة في ظل توسع وانتشار المدن الكبرى في العالم النامي. وعلى سبيل المثال فإن عواصم دول أندونيسيا وهاييتي وبنغلاديش أخذ فيها القادمون الجدد من الريف ملاجئ من الأخشاب والكرتون، وبدأوا يعتمدون بشكل مستمر على مواسير المياه الموصولة بطريقة غير مشروعة من قبل ملاك الأرض والعقارات. وهو أمر يعني أنه يتعين