كثيراً ما تكون السياسات المعلنة في بعض الشركات بخصوص توظيف المرأة مجرد ستار يحجب المنهج الخفي الذي يوظف داخل مثل هذه الشركات ضد المرأة، وأقصد بذلك أن بعض الشركات عندنا أصبحت تبتز المرأة العاملة وتنظر إليها بصورة مختلفة. تلك الشركات لا يهمها من الوظيفة أن تكون المرأة ذات مؤهل عالٍ أو تملك خبرة مهنية متميزة أو أنها قادرة على الإنتاج في العمل بقدر ما يهمها أمران: الأول، استدراج المرأة بطرق مختلفة للتبرج والسفور والانحلال كمدخل لتفكيك هويتها الإسلامية، والهدف طبعاً هو خدمة أهداف الشركة غير المعلنة كما حدث للمرأة في الغرب والتي أصبحت سلعة ترويجية تخدم أهداف مثل هذه الشركات وسلعة دائمة في وسائل الإعلام وصور عارية تباع في المتاجر والمحلات.
الثاني: نقل حالة الكراهية الحاقدة على الإسلام بأساليب وطرق مسمومة، وهذا أمر بدأ يظهر في العديد من الدول العربية والإسلامية وكأنها خطة مرسومة لنزع هوية المرأة المسلمة في المجتمعات الإسلامية.
أقول هذا الكلام بعد أن قرأت ما نشر في صحافتنا المحلية بخصوص ما حدث للمرأة الفلبينية فاطمة التي اعتنقت الإسلام وفصلت من العمل بسبب ارتدائها الحجاب والتي وصلت قضيتها مع صاحب الشركة إلى المحاكم. وأهم ما يميز هذه الحالة أنها كشفت بوضوح عن عمق آثار الكراهية التي يحملها بعض أصحاب الشركات للإسلام والمسلمين، حيث إن صاحب العمل ومنذ أن عرف أنها أسلمت وهو يمارس ضغوطه عليها حتى تستجيب لطلبه وتخلع الحجاب. وتحولت هذه الضغوط إلى نوع من الكراهية والثورة والغضب وفصل من العمل بعد أن أصرت على التمسك بدينها وعدم خلع حجابها. هذه القضية ليست الأولى من نوعها بل إن هناك قصصاً كثيرة مشابهة لم تصل إلى القضاء وتكشف عن مثل هذه الممارسات التي لا زالت ثابتة في منهج تعامل بعض أصحاب الشركات مع المرأة.
تقول إحدى المواطنات: استدعيت لإجراء مقابلة في إحدى الشركات بهدف التوظيف وذهبت لمقابلة صاحب الشركة، وقبل أن يسأل عن مؤهلاتي العلمية أو خبرتي السابقة قال لي بالحرف الواحد: إن شروطنا الأساسية للعمل هي: أولا، أن تكوني مستعدة لخلع الحجاب. ثانياً، قادرة على السفر مع المدير في مهمات رسمية. ثالثاً، السهر معنا في المساء عند إقامة الحفلات.
وتقول أخرى: أعيش في حالة قلق بسبب التهديد الدائم لي بالفصل إن لم أخلع الحجاب. وتقول ثالثة: مديري في العمل يسخر دائماً من حجابي ويؤكد أنني سوف أكون أجمل لو خلعت الحجاب. وتقول رابعة: إن سكرتيرة مدير الشركة أخبرتني أن المدير لن يقابلني إذا عرف أنني أرتدي الحجاب. وتقول خامسة: إن صاحب العمل قال لها إنه مستعد لأن يشغلها براتب كبير شرط أن تنزع الحجاب. وتقول سادسة: إنها قبل أن تضع الحجاب كانت الشركات تفتح لها باب الوظيفة وبعد أن تحجبت أصبحت تجد صعوبة بالغة في الحصول على وظيفة. يحدث هذا في شركات تقدم لها الدولة كل التسهيلات لكنها في المقابل تعلن الحرب على الحجاب وترفع شعاراً خفياً يحمله بعض مديري وأصحاب هذه الشركات يقول للمرأة الباحثة عن عمل "اخلعي الحجاب تحصلين على وظيفة". يعني أن تتخلى المرأة المسلمة عن فرض نص عليه القرآن والسنة بل هو حق من حقوق الإنسان حتى وفق المواثيق والقوانين الدولية التي تعتمدها الكثير من المنظمات الدولية.
إن وجه الاستغراب الأول في هذه القضية، هو أنه في الوقت الذي يتم فيه طرد امرأة مسلمة في بلد مسلم من وظيفتها بسبب الحجاب، نجد أن ملك بلجيكا ألبرت الثاني يعلن تضامنه مع رئيس شركة بلجيكية تلقى تهديدات بالقتل بسبب دفاعه عن حق إحدى الموظفات المسلمات في ارتداء حجابها، وأن الملك كان يتابع تطورات هذه القضية أولاً بأول، بل إنه كان معجباً بقرار المدير العام الذي لم يرضخ للضغوط والتهديدات وأعلن عن سروره لاستقبال رئيس الشركة والموظفة في قصره الملكي.
ووجه الاستغراب الثاني أننا لم نسمع صوتاً واحداً من الجمعيات النسائية أو جمعية حقوق الإنسان أو جمعية الحقوقيين أو وزارة العمل أو غرف التجارة حول هذه القضية التي وقفت المحامية المواطنة حفصة القبيسي لوحدها متبرعة بالدفاع عنها دون مقابل. إن أخطر ما في هذه القضية أن السكوت عنها قد يجعلها تتحول إلى ظاهرة.