في الذكرى السنوية الأولى لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، ألقى الرئيس جورج بوش خطاباً في "جزيرة إيليس" التي ينظر إليها على أنها تمثل البوابة الأميركية المشرعة أمام المهاجرين قال فيه: إن المثال الذي تتوخاه أميركا هو توفير الأمل للبشرية جمعاء... وهذا الأمل لا يزال يضيء طريقنا، كما أن نوره لا يزال يسطع في الظلمات، التي لن تتمكن أبداً من حجب ذلك النور. واللغة التي استخدمها بوش في ذلك الخطاب قريبة من لغة "إنجيل يوحنا" وكل ما فعله بوش هو أنه وضع كلمة "أميركا" مكان كلمة "الرب".
لمدة أربع سنوات كاملة، عاش الأميركيون تحت حكم إدارة متعصبة، كانت تقوم بفتح فصول لقراءة الإنجيل في البيت الأبيض مرتين أسبوعياً، كما كانت تقوم بتنظيم اجتماعات لأداء صلوات يومية في وزارة العدل. وعلى الرغم من أن ذلك ليس بالشيء الجديد، على أساس أن اليمين المسيحي ليس غريباً على أروقة السلطة في واشنطن، إلا أن المصادفة التي تمثلت في وجود ذلك المزيج المكون من رئيس ولد من جديد، وحركة دينية تدعو للعودة إلى قيم الأسرة، واستراتيجيات سياسية خبيثة لكارل روف (كبير مستشاري الرئيس بوش، هي التي ساعدت على توفير سيطرة غير محدودة للمتطرفين المسيحيين الأميركيين على مقاليد الحكم في أميركا.
وكما تقول "أيثر كابلان" الصحفية، والمحررة السابقة في مجلة "ذي نيشين" ومؤلفة الكتاب الذي نقوم بعرضه هنا وعنوانه:"مع وقوف الرب إلى جانبهم: كيف قام المتطرفون المسيحيون بالدوس على العلم والسياسة والديمقراطية في البيت الأبيض الذي يسكنه جورج دبليو بوش"، فإنه لم يكن ممكناً لأي محقق مدقق، أو محلل منصف للسياسة الأميركية الداخلية، أن يغفل عن هذا التركيز الواضح بل والمبالغ فيه على قيم الأسرة، ولا عن الأجهزة العديدة التي أقيمت من أجل الأسرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر "مجلس أبحاث الأسرة"، و"جمعية النساء المهتمين بشأن أميركا" أو غيرها من المؤسسات والجمعيات والمراكز، التي كانت مهمتها الأساسية تتمثل في الدفاع عن السياسات المتبعة من قبل اليمين المسيحي الأميركي. وتقول الكاتبة إنه على الرغم من أن الجمعيات المهتمة بتنظيم الأسرة والتوعية الجنسية، كانت هدفاً لمراجعات لا تتوقف من قبل الأجهزة الرقابية الحكومية في أميركا، إلا أن ذلك لم يكن ينطبق على المجموعات التابعة للكنائس التي تمكنت من الحصول على مئات الملايين من الدولارات من الأموال الفيدرالية واستغلالها في برامج تدعو إلى الامتناع عن الممارسات الجنسية غير الشرعية، وتعمل على توعية المقبلين على الزواج من الجنسين وخصوصاً في الطبقات الفقيرة من المجتمع الأميركي بشأن الممارسة السليمة.
تقول المؤلفة أيضا إن الاعتبارات الدينية، كانت تتدخل في أدق التفاصيل الخاصة بسياسات الإدارة الأميركية، إلى درجة أن تلك الإدارة كانت تقوم بصياغة سياساتها المتعلقة بتقديم الدعم والمعونات للشعوب المحتاجة، بل وصياغة سياستها المتعلقة بالحرب التي تخوضها على الإرهاب العالمي بناء على تلك الاعتبارات. وترى المؤلفة أنه على الرغم من أنه كان يمكن بسهولة تقليص النفوذ غير العادي لليمين المسيحي المتطرف وذلك بمجرد إجراء تغيير في الإدارة، إلا أن التغييرات المستمرة التي كان بوش يقوم بإجرائها على المحاكم الفيدرالية، أدت إلى تقويض الحريات الشخصية وحرية العقيدة في المجتمع الأميركي لأجيال قادمة. من مظاهر ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
- موافقة إحدى المؤسسات الوطنية- بناء على ضغط من جماعات المتطرفين المسيحيين- على عرض وبيع كتاب يدعي أن ما يعرف بـ"الأخدود العظيم" قد تكون بسبب الفيضان، الذي ارتبط بقصة سفينة نوح.
- قيام الرئيس بوش - من أجل تسويق مبادرته ذات الأساس الديني للمحافظين المسيحيين التقليديين- بالسماح لهؤلاء بالحصول على مخصصات فيدرالية تقدر بعشرات الملايين من الدولارات، كي يقوموا برفض القانون الذي يسمح بتعيين الشواذ، والأمهات غير المتزوجات وغيرهم من الفئات غير الملتزمة أخلاقياً في الوظائف العامة.
- قيام الإدارة بالتدقيق على الأطباء الأميركيين الذين تم إرسالهم لاستعادة الخدمات الصحية إلى العراق، للتأكد من أنهم من المناوئين للإجهاض.
وتقول المؤلفة إن ذلك ليس إلا قليلاً من كثير مما قام به اليمين الديني المتطرف في مجال تقليص الحريات التي نص عليها الدستور الأميركي، وأن الضغط الذي مارسه أعضاء اليمين المسيحي على الكثير من الجهات أدى إلى القضاء على الاستقلالية والسلطة العلمية للهيئات والمؤسسات العامة ومنها على سبيل المثال مراكز مراقبة الأمراض والوقاية الصحية. وتقول المؤلفة إن الوضع قد وصل إلى حد فرض رقابة على المعلومات الصحية المتعلقة باستخدام "العازل الطبي" الذي يتم استخدامه لممارسة الجنس بأمان، ونقل العلماء المنتمين إلى التيار المسيحي الرئيسي من المجالس واللجان الاستشارية، وإحلال أفراد عقائديين محلهم. وهي تقول أيضا إنه على الرغم من كل القوانين واللوائح التي تم إدخالها بواسطة المتطرفين الدينيي