إثر انحسار كارثة "تسونامي" التي تسببت فيها هزات أرضية قوية في أعماق المحيط الهندي في السادس والعشرين من ديسمبر المنصرم، ارتفع عدد الضحايا والقتلى ليصل إلى 144 ألفاً، ولا يزال العدد يواصل ارتفاعه، مع انجراف عشرات الجثث إلى السواحل والشواطئ يومياً. ومع سحابة الحزن التي خيمت على حياة وصدور الأسر المكلومة، بدأت الأسئلة الملحة تثار حول عدم وجود نظم للإنذار المبكر بمثل هذه الكوارث، حتى يتمكن الناس من الهرب والصعود إلى الأماكن المرتفعة، قبل أن تدهمهم المياه التي بلغت ارتفاعات عالية، زاحفة عبر آلاف الكيلومترات في المناطق الساحلية، في إحدى عشرة دولة من الدول الآسيوية التي ضربتها الكارثة. فقد اتضح بالفعل أنه كان هناك من الوقت ما يكفي لتنبيه الناس، لكن ونظراً لغياب نظام دولي للإنذار المبكر، فقد حدث ما حدث، ولقي الآلاف من الضحايا حتفهم دون وجود مبرر لهذه الخسارة البشرية الكبيرة.
على حد تعبير المسؤولين الإندونيسيين، فقد جرى رصد الهزة الأرضية التي ضربت البلاد بقوة 9 على مقياس "ريختر"، في وقتها بواسطة محطات رصد الهزات الأرضية، المنتشرة على نطاق العالم بأسره. ومن جانبها كانت أستراليا قد نشرت تحذيراً بعد نصف ساعة فحسب من وقوع الهزة الأرضية وتأثيراتها المدمرة على المناطق الساحلية الآسيوية، بسبب ما لأستراليا من نظم إنذار مبكر بكوارث "تسونامي". وبالمثل فقد كانت تقديرات "مكتب الحد من خطر الكوارث" التابع للأمم المتحدة في جنيف، أن المد البحري سيستغرق ساعة كاملة قبل أن يصل إلى السواحل الإندونيسية، وساعتين أخريين كي يصل إلى كل من تايلاند وسيريلانكا، وما يقارب الست ساعات قبل وصوله إلى السواحل الإفريقية.
فما الخطأ الذي حدث إذن؟ وفقاً لرأي الدكتور "جون كروج"، خبير الزلازل والهزات الأرضية في جامعة "سايمون فريزر" في "فانكوفر" بكندا، فإنه لا توجد بنية تحتية دولية كافية، لتداول رسائل الإنذار المبكر بمثل هذه الكوارث الطبيعية. وهنا تكمن المشكلة على حد قوله. فبينما تنشط الدول الصناعية الغنية والشركات المتعددة القوميات والعابرة للقارات، في بناء شبكة اتصالات دولية، عالية الكفاءة في تسهيل التبادل الفوري للرسائل والمعلومات التجارية الربحية، فإنها لا تكلف نفسها بالحد الأدنى، من توفير بنية تحتية لشبكة اتصالات من شأنها تنبيه ملايين البشر إلى مخاطر الكوارث الطبيعية التي تحدق بحياتهم دون أن يعلموا بها! وأعني بهذا، توفير الحد الضروري من تكنولوجيا وأجهزة استشعار كوارث البراكين والهزات الأرضية والمد البحري وما إليها، في كل من سطح الأرض وأعماق البحار والمحيطات. صحيح أن هناك وجوداً جزئياً لعدد من هذه الأجهزة في كثير من دول العالم، غير أن المفقود هو توفر الوسيلة التي يمكن بواسطتها تبادل المعلومات حول الكوارث الطبيعية الكبيرة التي تهدد مئات الملايين من البشر، الواقعين في مجالها أو نطاقها. وتبسيطاً للأمر نقول إن الغالبية العظمى من البشرية، لم يتم ربطها بعد بشبكة الاتصالات الدولية. ففي حين أصبح وجود وسائل الاتصال الإلكتروني أمراً مفروغاً منه في الحياة اليومية للأفراد المنتمين إلى مجتمعات الدول الصناعية الغنية، فإن علينا ألا ننسى أن هناك اثنين بين كل ثلاثة من الأفراد الذين يعيشون في مجتمعنا المعاصر هذا، لم يسبق لهما مطلقاً أن أجريا مكالمة هاتفية عادية. بل ولكشف المزيد من حقائق مجتمعنا المعاصر، فإن ثلثي البشرية، يفتقرون تماماً إلى أية طاقة كهربائية! فعلى الرغم من التحسن المستمر الجاري في تطوير رصد الكوارث الطبيعية غير المنظورة، إلا أننا نفتقر إلى الوسائل اللازمة لتوصيلها إلى شرائح كبيرة جداً من البشرية، مع العلم بأن هذه الشرائح التي نعجز عن الوصول إليها، هي التي تقع ضحية تلك الكوارث بالذات.
وإن كان ثمة درس يمكن تعلمه من كوارث "تسونامي" التي وقعت مؤخراً في القارة الآسيوية، فإنه يمكن تلخيص هذا الدرس في إدراك مدى الدور الحاسم الذي يلعبه ارتباط مجتمع بشري ما بوسائل الاتصال الإلكتروني، في سلامته أو موته جراء تعرضه لخطر الكوارث الطبيعية. من جانبها صرحت الأمم المتحدة بأن واجب بناء نظام دولي للإنذار المبكر، تحسباً للكوارث الطبيعية المستقبلية، سيكون في مقدمة الموضوعات التي سيناقشها مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بالحد من خطر الكوارث الطبيعية، المقرر عقده في مدينة "كوبي" اليابانية خلال الثامن عشر والثاني والعشرين من يناير الجاري. غير أن الجانب المرجح نسيانه أو الصمت عنه في المؤتمر المذكور، هو كيفية توصيل الإنذارات المبكرة بوقوع الكوارث الطبيعية إلى ملايين البشر، سواء عن طريق الاتصال الهاتفي أو عن طريق الراديو والتلفزيون والإنترنت وغيرها من الوسائل، إلى المجتمعات التي لا تتمتع بوجود الكهرباء أصلا؟ هذا هو الجانب الذي لن تسمع عنه شيئاً من قبل صناع السياسات الذين سيجتمعون في "كوبي" في التاريخ المذكور آنفاً.
ووفقاً لتقديرات وكالات التنمية الدولية، فإن إنجاز نظام عالمي للاتصالات بح