أول درس في العام الجديد وآخر مصائب عام رحل. درس إنساني قاسٍ دفعت ثمنه شعوب دول من أفقر دول العالم. إنها كارثة بكل المقاييس وخاصة أنها وقعت في دول لا توجد لديها أية إمكانيات لمواجهة كوارث كتلك. المناطق التي ضربها زلزال سومطرة وأمواج "تسونامي" التي أعقبته قد تحتاج إلى عشرة أعوام للتعافي من آثار هذه الكارثة حسب ما صرح به "كوفي أنان" الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة.
فأية أدوار منتظره من الدول الكبرى والصغرى والمجتمع الدولي. للمصائب دروس وعبر يجب أن يستفيد الإنسان منها، فإذا كانت المليارات تصرف على التسلح العسكري والحروب فلم لا تصرف على حماية الإنسان من غضب الطبيعة؟. أين هي الحرب الاستباقية ضد الكوارث الطبيعية؟ فإن انعدمت إمكانية منعها فبالإمكان تفادي عواقبها الكارثية.
لقد جاءت دعوة الرئيس الفرنسي "جاك شيراك" إلى تشكيل قوة إنسانية للتدخل السريع في وقتها، فقد يكون هذا العام ببدايته الدامية عام التضامن الإنساني العابر للقارات فللطبيعة تدابيرها التي هي ليست كحسابات البشر ولا ترتبط بها.
على المستوى الدولي على سبيل المثال، وصل إجمالي ما قدمه البريطانيون لضحايا كارثة آسيا إلى أكثر من 32 مليون إسترليني، كما زادت الحكومة من حجم تبرعاتها من 15 مليون إسترليني إلى 50 مليون إسترليني نزولا عند رغبة الرأي العام البريطاني. وجهت انتقادات حادة للإدارة الأميركية بالبطء في التجاوب مع الكارثة، وفي تحرك سريع أطلق الاثنين الماضي في نداء وجهه الرئيس الأميركي بوش والرئيسان الأسبقان بوش الأب وكلينتون نداء للشعب من أجل التبرع لصالح ضحايا الزلزال الذي ضرب جنوب شرق آسيا، وتعهدت إدارة الرئيس بوش بتقديم 350 مليون دولار كمساعدات. قد تتفاوت الأرقام التي تقدمها الحكومات كتبرعات لاعتبارات عدة، لكن ما يلفت النظر دائماً هو هذا الحس الإنساني العالي لدى شعوب لتبسيطنا الشديد نصفها بالباردة، فبكل احترام وتقدير لا يسعني إلا أن أحيي الشعب البريطاني على إنسانيته.
للكارثة درس على المستوى المحلي، فعلى الرغم من مجانية الموت في العراق وفلسطين والتكرار القاتل للجثث المتفحمة والأشلاء المبعثرة يظل الموت الجماعي رهبة وتظل للحزن الإنساني أصداؤه، فمع أمواج الصور المطمورة صور الدمار والناجين يخطئ من يقول إن صور الموت لم تهز الإنسان العربي. في دولة الإمارات نشطت الهيئات الحكومية والجمعيات الخيرية الفاعلة بحملة تبرعات نشطة، ومع أهمية جمع الأموال والمساعدات العينية إلا أنها لا تغني عن الجهود الإنسانية، وهي فرصة جيدة لطرح مفهوم العمل التطوعي وتوعية المواطنين بقيمة العمل الخيري والإنساني التطوعي ودوره في التنمية خدمة للدين والدنيا. لوسائل الإعلام دور حيوي لتوعية الشباب من الجنسين لأهمية استغلال أوقات الفراغ في العمل التطوعي ففي العمل الإنساني تهذيب للنفس البشرية. زلزال سومطرة وأمواج "تسونامي" فرصة لأن يعود العمل الخيري فيه إلى الواجهة بعد أن غيبته "الحرب على الإرهاب"، وعلى عاتق الجمعيات الخيرية دور محوري في العمل على خلق جيل يؤمن بأهمية العمل التطوعي والإنساني يرغب في المساهمة في دعم مؤسسات المجتمع المدني، تستطيع الجمعيات الخيرية عقد الندوات والمحاضرات ونشر كتيبات تعريفية ليس لتتناول فقط أنشطة الجمعيات كما هو حاصل الآن إنما تتناول تجارب أفراد انضموا تطوعياً لخدمة المجتمع مع الحرص على دمج العمل الإنساني بالواجب الديني والالتزام الإسلامي. ولا ننسى أن الجالية الآسيوية تشكل عنصراً لا يستهان به في النسيج الاجتماعي المحلي والقيام بتحرك فعال تجاه الدول المنكوبة من شأنه أن يؤدي إلى شعور أولئك العاملين بالامتنان والانتماء للدول التي يعملون فيها مما يشكل عاملا مهماً في الاستقرار والأمن المجتمعي.
حملة تبرعات، ماراثون خيري لكن الأهم من هذا وذاك ألا تكون كلها مجرد ردود أفعال على حدث طارئ بدون أن تؤسس بذرة للعمل التطوعي على نطاق واسع مجتمعياً. لا تعنينا أرقام المساعدات الدولية أو الحكومية بقدر ما تعنينا ردود الأفعال الشعبية وتبرعات الأفراد كلبنة من المجتمع الدولي الإنساني، ليكن عام 2005 عام التصالح مع الإنسانية بلا مصالح استراتيجية أو اقتصادية أو سياسية بل إنسانية وإنسانية بحتة، هل نحلم؟.