كان المظنون في الرحلة التطورية عند الإنسان أنها باتجاه واحد، فالإنسان يزداد طولاً ودماغه يكبر حجماً فيزداد ذكاء وجمالا ويعمر أكثر، ولكن كشف العلماء عن تطور مقلوب، انكمش فيه الإنسان في جزيرة "فلوريس" الإندونيسية إلى قزم في حدود متر، وتضاءل دماغه إلى حجم دماغ "شمبانزي"، بما لا يزيد على 380 سم مكعب، ونزل وزنه إلى 19 ـ 26 كلغ. مع أن أجداده من الإنسان المنتصب "الهوموايركتوس" (Homo Erectus) الذين علوا ثبج البحر الأخضر إبحاراً، ووصلوا إلى الجزيرة كانوا عمالقة فبلغ طول أحدهم 180 سم، وحجم دماغهم ما يقترب من أدمغتنا الحالية بحدود 1260 سم مكعب. ولكن مع انكماش الدماغ مسخوا ونكسوا وانقرضوا قبل 13 ألف سنة، بعد أن عمروا الجزيرة حوالي 840 ألفاً منذ مجيء أجدادهم. وكان الكشف عن هذا النوع من الجنس البشري (الأقزام) في سبتمبر عام 2003 في جزيرة "فلوريس" الإندونيسية، من قبل فريق علمي من 17 باحثاً في كهف "ليانج بوا" بعمق 40 متراً، عثروا على بقايا كاملة لجمجمة محفوظة بشكل جيد وبعض الأضلاع وأكف وأقدام وشظايا من عظام الحوض. ومع المزيد من البحث وصلوا إلى الكشف عن حوالي سبعة هياكل عظمية يعود أقدمها إلى 93 ألف سنة وأحدثها إلى 13 ألف سنة. وجزيرة "فلوريس" تقع في أرخبيل الملايو شرق "جاوة"، ومن أعلن الكشف كان عالمان من جامعة "نيو إنجلند" في أستراليا، هما "بيتر براون"و"مايك موروود" ونشر البحث في مجلة الطبيعة "Nature" العلمية في خريف 2004، وأشار إليه "يورج بليش" في مجلة المرآة الألمانية ببحث موسع بعنوان انكماش الدماغ في عالم "جوليفر". وعلم الانثروبولوجيا كشف عن العديد من الأشكال الإنسانية التي عمرت الأرض زادت عن عشرة، منها الذي كشفه الأنثروبولوجي الأميركي "دونالد جوهانسون" وأخذ اسم "لوسي"، وهي قصة مثيرة عن هيكل عظمي يعود لامرأة كانت تمشي منتصبة قبل 3.4 مليون سنة. ثم دفع زميله "تيم وايت" الرقم إلى 4.6 مليون سنة بكشفه عن إنسان "أرديبيثيكوس راميدوس". ثم قفز آخر رقم إلى ستة ملايين من السنين بكشف العالم الفرنسي "برونيت" مع فريق تشادي عن إنسان الألفية "الميلينيوم". وما يعرف بالإنسان العاقل، اشتق من فرع أكبر منه هو الإنسانيات "الهومو نيد" ومن هذا الفرع الكبير نبت فرعان على الأقل كان أولهما الإنسان العاقل، والآخر الـ"هومو ايركتوس"، ومن فرع الإنسان العاقل جاء نوع "النياندرتال" الذي كشف في وادي نهر "النياندر" بقرب مدينة "دسلدورف" الألمانية. وهو نوع إنساني عمر الأرض قبل 150 ألف سنة، وانتشر في أوروبا بشكل موسع ثم انقرض قبل 35 ألف سنة. وأما الجنس العاقل "الهومو سابينز" فأصبح له حوالي مئة ألف سنة ويزيد، واجتمع بإنسان "نياندرتال" على ما يبدو، ولا يستبعد أن يكون نوعنا "العاقل" هو المتسبب في انقراض إنسان "نياندرتال" قتلاً، ويبقى ذلك احتمالا لا أكثر. وحسب قناة "الديسكفري" فإن إنسان "نياندرتال" لو تكاثر بمعدل أكثر من 2% لعمّر الأرض ولكنه لم يعن بذريته فهلك وضاع، ولو عاش لشهدت البسيطة وجود نوعين من البشر. وهو افتراض خيالي حتى الآن. لأن نفس "هومو سابينز" بعضه لبعض عدو بأشد من الوحوش فكيف بوجود نوع ثانٍ؟ ويحتار العلماء في انقلاب الرحلة التطورية لتنتج البشر الأقزام، ولكنها ظاهرة بيولوجية مرصودة في الطبيعة، ففي جزيرة قبرص يوجد فرس نهر ضئيل الحجم. وفي جزر القناة حذاء كاليفورنيا يوجد ماموث قزم، وفي جزيرة "كاي" أمام سواحل فلوريدا توجد غزلان مثل التي على اليابسة بنصف الحجم بسبب النظام الغذائي. وهناك فلسفة عند ابن خلدون كتبها في مقدمته أن ما يقضي على الناس في المجاعة ليس قلة الطعام بل اعتياد الأمعاء الطويل على الرطوبات ووفرة الطعام فإذا حصل انقطاع حاد لم يكن هناك اعتياد فيهلك الناس من العادة أكثر من ندرة الطعام. وقصة البشر الأقزام في جزيرة "فلوريس" تقول إن الجنس البشري ليس موحداً، وإن مصيره ليس أكيداً، وقد يأتي بشر آخرون وما ذلك على الله بعزيز.