لم تعرف الكويت في تاريخها التشدد والتزمت، فتكوينها الاجتماعي وطبيعة ظروفها الاقتصادية في مرحلة ما قبل النفط جعلت منها بلداً منفتحاً اجتماعياً، واستطاعت هذه الدولة الصغيرة أن تحافظ على نمط حياتها الاجتماعية المنفتحة حتى في مرحلة ما بعد اكتشاف النفط.
عندما تصاعدت تيارات الإسلام السياسي في البلاد العربية كان للقوى الإسلامية السياسية الكويتية دور كبير في تصاعد تلك الموجة التي تأثرت بها البلاد العربية. فالديمقراطية والانفتاح السياسي وتواجد جمعيات أهلية مدنية مكنت التيارات الإسلامية من استثمار هذه الأجواء لصالحها.
النظام السياسي الكويتي لم يشعر قط بخطر التيار الديني، بل اعتبره حليف المرحلة وما كان منه إلا تقديم مزيد من التسهيلات للجمعيات الدينية التي تحولت فيما بعد لتصبح منابر سياسية للإسلام السياسي في الكويت.
الحديث حول المأزق الكويتي تجلى في الحيرة التي تواجه الحكومة الكويتية في تعاملها مع القوى الدينية التي استطاعت عبر عقود من الزمن أن تتحول إلى قوة مناهضة للتغير بل أحياناً كثيرة معرقلة لتطلعات الحكومة الكويتية.
الحكومة الكويتية نهجت المهادنة مع التيارات الدينية اعتقاداً منها بأن هذا النهج يجنبها المواجهة العلنية كما يحدث في المملكة العربية السعودية، ما جعل التيارات الدينية تتمادى في مطالبها.
قوى الإسلام السياسي نجحت في اختراق القبيلة واستطاعت أن تعقد تحالفات مع القوى القبلية ما زاد نفوذها ووسع من قواعدها. وفي الوقت نفسه استفادت القوى القبلية من استخدام القوى الإسلامية كأداة لفرض قيمها على المدينة وتحولت المدينة الكويتية إلى امتداد إلى الصحراء بكل ما تحمله من معان اجتماعية.
كان من الممكن للكويت أن تتطور في تجاه دولة المدينة، وهي تملك كل المؤهلات لتتحول كنموذج للديمقراطية في البلاد العربية، الذي كان من الممكن استثماره لنشر الأفكار الديمقراطية سواء في الإقليم الخليجي أو البلاد العربية، إلا أنه بتعثر سياسات الحكومة وغياب رؤيتها الاستراتيجية تحولت الديمقراطية الكويتية لتصبح عائقاً نحو نهضتها، ما دعا البعض إلى أن يتساءل حول خطورة تحول الديمقراطية إلى أداة هدم وليس أداة بناء.
النموذج الديمقراطي الكويتي يطرح كثيراً من التساؤلات حول مسار مستقبل الديمقراطية في البلاد العربية وخصوصاً بين قوى الإسلام السياسي. فالديمقراطية التي ننشدها هي الديمقراطية التي تحافظ على حقوق جميع الأطراف وليس الديمقراطية التي تستخدم كأداة للتصفية.
الديمقراطية الكويتية قلصت الحريات الاجتماعية التي اعتاد عليها المجتمع، فأصبحت الاحتفالات بأعياد الميلاد مرفوضة ومعارض الكتاب السنوية تشكو من شدة الرقابة المتزمتة. بمعنى آخر أن الديمقراطية الكويتية اخترقت الحقوق المدنية التي حفظها الدستور ما يدعو الجميع إلى الخوف على تحول التجربة الكويتية إلى ديمقراطية بدون ديمقراطيين.
من المؤكد أن النظام السياسي يشترك في المسؤولية فيما وصلت إليه الديمقراطية الكويتية وقد تكون مراهنة النظام خاسرة، ولنا في الوضع السعودي مثال صارخ على أن حلفاء الأمس أصبحوا مصدراً للخطر الذي يهدد كينونة النظام الحاكم.
قوى الإسلام السياسي في البلاد العربية عليها أن تستفيد من إخفاقات تجربة إيران و"طالبان" حيث فشلت التجربتان في تقديم الدولة الحديثة. الأحزاب الإسلامية في المغرب استوعبت الدرس عندما لم تعترض على حقوق النساء التي ناقشها البرلمان المغربي. كما على الحركات الإسلامية في البلاد العربية أن تضع نصب اهتمامها تطور تركيا حيث نجحت الحكومة الإسلامية في المسعى الأوروبي وحققت ما عجزت عنه الحكومات العلمانية التي حكمت تركيا.
القوى الإسلامية عليها أن تدرك أنه ليس بوسعها إقصاء الآخرين وأنه لا مفر من الإيمان بالدولة المدنية كنموذج يضمن لها النجاح.