في الوقت الذي تتكالب فيه الكوارث البيئية والطبيعية على العالم ما تزال الاتفاقية الرسمية للحد من انبعاثات غازات الدفيئة لم توضع بعد موضع التنفيذ، وهنالك ثلاث دول تخطط أصلاً لبناء حوالي 850 وحدة جديدة تعمل بالفحم وهو الأمر الذي قد ينجم عنه ضخ خمسة أمثال مقدار ثاني أكسيد الكربون في الجو الذي تهدف اتفاقية "كيوتو" أصلاً للحد منه. لقد بات هذا الخلل في التوازن يثير الكثير من الإرباك في نفس الوقت الذي يصف فيه علماء البيئة الاتفاقية بأنها تمثل مجرد انتصار رمزي وليس عملياً في مكافحة الاحتباس الحراري، حتى وإن كان معظمهم لا يبدو مدركاً لقدوم الموجة التالية من انبعاثات غازات الدفيئة من الدول غير الموقعة على اتفاقية "كيوتو".
وبحلول عام 2012 فإن المصانع التي ستتخذ مواقعها في الدول المهمة الثلاث الصين والهند والولايات المتحدة بات من المتوقع أن تعمل على انبعاث كمية إضافية تقدر بـ 7.2 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون. وعلى العكس من ذلك فإن الدول الموقعة على اتفاقية "كيوتو" من المفترض أن تعمل خلال هذا العام على تقليل مستوى انبعاثاتها لثاني أكسيد الكربون بمقدار 483 مليون طن. وهذه النتائج ربما تؤكد أن منتقدي الاتفاقية بمن فيهم إدارة بوش كانوا على حق عندما ادعوا أن الاتفاقية تمت صياغتها بشكل قاصر لم يتضمن تقليل الانبعاثات في الدول النامية. ولكنهم اتفقوا على أن العالم قد أصبح في طريقه لبناء المزيد من البنية التحتية الجديدة التي تؤدي إلى ضخ كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون خلال العقود الستة القادمة. وقد أشار البعض إلى أنه وفي ظل عدم وجود قيادة أميركية فاعلة فإن التكنولوجيا الخاصة بتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لن تصبح جاهزة لمواكبة الازدهار الكبير في إنشاء مصانع الطاقة. وكما يقول جافين شميدت عالم المناخ في معهد جودارد لدراسات الفضاء التابع للإدارة الوطنية للفضاء والطيران:"إذا ما قدر لمصانع الطاقة هذه أن تعمل بحلول عام 2012 فإنها ستعمل بوضوح على إلغاء أية مكاسب يمكن جنيها من اتفاق كيوتو".
على أن الفحم هو السبب الذي يقف خلف حدوث هذا الخلل الدراماتيكي. فقبل سنوات قليلة كان الاقتصاديون وعلماء البيئة يتطلعون إلى عالم يتحول من وحدات الطاقة "القذرة" التي تعمل بالفحم إلى توربينات الغاز الطبيعي "النظيفة" إلا أن ارتفاع الأسعار المتسارع للغاز الطبيعي بالإضافة إلى عوامل أخرى قد أدى إلى تغيير هذه الصورة. والآن فقد بات العالم يواجه موجة مرتفعة من وحدات الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم إذ يقول كريستوفر بيرجسين الذي يتابع أعمال إنشاء وحدات الطاقة في نشرة "بلات" الخاصة بمجموعة ماكجروهيل.: "تعمل الصين والهند على بناء سعة تعمل بالفحم في أسرع فرصة ممكنة". وبالفعل فقد أصبحت الصين لاعباً مؤثراً وهي تخطط لإنشاء 562 مصنعاً يعمل بالفحم، أي ما يقارب نصف الإجمالي العالمي من الوحدات المتوقع لها أن تدخل الخدمة في الثماني سنوات القادمة. أما الهند فهي تخطط لإضافة 213 مصنعاً بينما ترغب الولايات المتحدة الأميركية في بناء 72 مصنعاً يعمل بالفحم. وإجمالاً فإن هذه الدول الثلاث ستضيف 327.000 ميغاوات من الطاقة بحلول عام 2012 أي ما مقداره ثلاثة أرباع السعة العالمية الجديدة وما يساوي السعة الحالية تقريباً في الوحدات الأميركية التي تعمل بالفحم حالياً.
وإلى ذلك فإن وحدات الفحم الجديدة في الدول الثلاث ستعمل على حرق حوالي 900 مليون طن إضافي من الفحم في كل عام. وهذا بدوره سيؤدي إلى انبعاث 2.5 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون في الأجواء المحيطة كما يقدر الدكتور شميدت الذي يقول:"لست متفائلاً بأننا سنتمكن من إبطاء معدلات انبعاثات الكربون في أي وقت قريب إذا لم نتمكن من ضبط هذا الانتشار في المصانع الجديدة". ولكن هنالك الكثير من الأمور التي يكتنفها الغموض، أولها أن هذه المصانع ربما لن يتم بناؤها جميعاً. ففي الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال هناك معارضة محلية ربما تعمل على إيقاف عمليات إنشاء ما يقارب المئة مصنع من المصانع التي تعمل بالفحم والتي دخلت الآن في مراحل متعددة من التطوير. ووفقاً لبيرجسين فإن من الممكن إضافة عدد 72 مصنعاً حسب تقديرات "مونيتور" لبيانات الإنشاءات في مصانع الطاقة. وهنالك أمر آخر ما زال يكتنفه الغموض أيضاً إذ أن عدداً يقل بقليل عن نصف المصانع الجديدة التي تنبأت بها نشرة "بلات" بالنسبة لدولتي الصين والهند تمكنت من تحديد موعد رسمي للتشغيل. وفي حال بناء هذه المصانع التي لديها موعد رسمي بالعمل فإن الانبعاثات المتوقعة من هذه الدول الثلاث سيصل إجماليها إلى 1.2 مليار طن فقط من ثاني أكسيد الكربون وهو المستوى الذي لا يزال أكثر من ضعف ما تطالب به اتفاقية "كيوتو" من تخفيض. ولكن الخبراء يشيرون إلى أن هذه التقديرات لا تزال تتسم بنوع من التقليدية وذلك لأن القادة الصينيين والهنود باتوا يواجهون القليل من الحواجز السياسية في ما يختص ببناء مصانع الطاقة بالإضافة إلى الطلب الم