بلا شك أن الانتصار الذي حققه "فيكتور يوتشينكو" يوم الأحد الماضي في الانتخابات الرئاسية الأوكرانية، يعتبر نصراً للديمقراطية وللأوكرانيين الذين يرغبون في العيش في دولة سوية خالية من الفساد والمحسوبية. ولقد تحمل في سبيل ذلك عمليات تزييف الانتخابات، واستغلال حكومة معارضيه لموارد الدولة بالإضافة إلى الهجوم عليه بغرض تسميمه في أبشع أنواع المنافسة الانتخابية. والآن فقد أصبح "يوتشينكو" على أعتاب المرحلة الأصعب بعد نجاحه كرئيس. ولما كان "يوتشينكو" يحمل رؤية لأوكرانيا كدولة ديمقراطية تتمتع باقتصاد السوق ولديها روابط وعلاقات قوية بالمؤسسات الأوروبية تتفق في معظمها مع أفكار واشنطن كان لابد للغرب من أن يتخذ الخطوات التالية حتى يجعل هذه الرؤية حقيقة على أرض الواقع.
يتعين على البيت الأبيض أن يبعث بإشارات مبكرة تتضمن الدعم السياسي. ولما كان "يوتشينكو" قد ذكر أن الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" هو أول زعيم خارجي يجتمع به، فعلى الرئيس بوش المبادرة بدعوة "يوتشينكو" إلى زيارة واشنطن في وقت قريب أو التوقف في "كييف" لزيارة يوتشينكو أثناء رحلته إلى أوروبا المعتزمة في شهر فبراير القادم. لقد ظلت الولايات المتحدة الأميركية ولسنوات طويلة تتعامل مع الحكومة الأوكرانية كدولة مترددة في أفضل الحالات بشأن إجراء الإصلاحات. أما الآن فإن "يوتشينكو" قد جاء بالتزام واضح لإجراء التحول الحقيقي. وفي الوقت الذي يحدد فيه "يوتشينكو" أولوياته الخاصة بعملية الإصلاح يتعين على الولايات المتحدة الأميركية إعادة تقييم وحشد برامجها الإسنادية لمساعدته على تحقيق التقدم المنشود. ويجب على واشنطن أيضاً العمل على زيادة مساعداتها لأوكرانيا تماماً كما فعلت ذلك مع جورجيا بعد "الثورة الوردية". ويذكر أن المساعدات المالية المخصصة لأوكرانيا في العام المالي 2005 تقل عن 80 مليون دولار، مقارنة بمبلغ 225 مليون دولار سنوياً في أواخر حقبة التسعينيات عندما لم تكن فرصة التغيير حقيقية كما هي الآن.
وغني عن القول إن الاستثمارات والتجارة من شأنها أن تفضي إلى تأثيرات أقوى بكثير من مجرد المساعدات المالية من أجل تعزيز النمو الاقتصادي، وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين الأوكرانيين. لذا يتعين على واشنطن المسارعة إلى ربط "كييف" بمجموعة من التدابير الهادفة إلى تحسين وترقية المناخ التجاري في أوكرانيا. وبلا شك فإن وضع القوانين التي تتسم بالعدل والشفافية سيعمل على زيادة الاستثمارات الخارجية في أوكرانيا من مستواها الحالي الذي لا يزيد على 7 مليارات دولار، وهو رقم هزيل عند مقارنته بمبلغ الـ65 مليار دولار الذي يتم استثماره في جارتها بولندا. ويمكن أيضاً للمسؤولين في الولايات المتحدة وأوكرانيا تحديد خريطة للطريق، تهدف إلى إدخال أوكرانيا في منظمة التجارة العالمية في هذا العام، وتسهيل دخول المنتجات الأوكرانية للأسواق العالمية.
لقد بات يتعين على الكونجرس أيضاً التحرك بسرعة من أجل سن قانون يهدف لإخراج أوكرانيا من قائمة الدول المضمنة في تعديل "جاكسون- فانيك"، الذي كان قد صادق عليه في عام 1974 من أجل زيادة معدلات الهجرة في أوساط اليهود السوفييت بالإضافة إلى تعزيز الحرية الدينية في الاتحاد السوفييتي السابق. أما الآن وقد أصبحت أوكرانيا تفي بكلا المطلبين فإن إخراجها من هذه القائمة من شأنه أن يمنحها وضعاً تجارياً تفضيلياً، ويمحو جميع الآثار السالبة التي لحقت بالأوكرانيين. وعلى الولايات المتحدة الأميركية بالتشاور مع "يوتشينكو" العمل على إرساء منهج يعمل على ربط أوكرانيا بالمؤسسات الأوروبية. ويمكننا في سبيل ذلك الطلب من حلفائنا في مؤتمر القمة الخاص بحلف "الناتو" المزمع عقده في فبراير المقبل التأكيد على استعدادهم لتقوية العلاقات والروابط مع أوكرانيا. ولما كان حلف الأطلسي ليس بمقدوره ممارسة الضغوط على الدول من أجل الانضمام إليه، إلا أن على واشنطن إعادة تأكيد ما ذكرته في السابق بأنها ستدعم جهود أوكرانيا إذا كانت راغبة في الانضمام إلى حلف الأطلسي وبشرط أن تفعل أوكرانيا كل ما بوسعها من أجل الإيفاء بمعايير هذه العضوية. إن هذا في مجمله يعني أن أوكرانيا ستطور نظاماً سياسياً واقتصادياً يعكس قيم هذا التحالف.
وإلى ذلك فإن الاتحاد الأوروبي من جانبه يمكن أن يبذل جهوداً مقدرة في سبيل جذب أوكرانيا مع العلم بأن علاقة أوكرانيا بالاتحاد الأوروبي ستصبح أقل إثارة للجدل من علاقتها مع حلف "الناتو". ويذكر أن الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي قد بذلا جهداً مشتركاً ومقدراً في إنجاح العملية الديمقراطية في الانتخابات الأوكرانية. لذا فإن واشنطن مطالبة الآن بحث شركائها الأوروبيين على التواصل المستمر مع "كييف" والإعلان عن أن دولة أوكرانيا من حقها أن تطمح في المستقبل إلى الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي حال تلبيتها للمعايير الديمقراطية والاقتصادية الخاصة بعملية الانضمام.
وأخيراً هناك مسألة يمكن أن تمثل مشكلة داخل الأجندة الأميركية- ا