غادرنا عام 2004 ولكنه أبى أن يفارقنا قبل أن ينحت في ضمير الإنسانية ما يصعب أن تنساه في تاريخها إثر فاجعة تسونامي التي راح ضحيتها حتى الآن مئات الآلاف من الضحايا والمشردين في دول عدة بجنوب شرق آسيا، في كارثة طبيعية هي الأسوأ حتى اليوم. وقد عمقت هذه الكارثة وعكست بوضوح حجم التحدي الذي تواجهه البشرية جراء ظاهرة "التطرف" التي تنوعت أشكالها وتعددت بين التطرف الديني والتطرف المناخي والتطرف السياسي وأيضاً - إن شئت - التطرف الرياضي، الذي أصبح مطروحاً على بساط البحث لدى خبراء علم النفس لمناقشة ما يسمى بالعنف الرياضي لدى جماهير وعشاق كرة القدم.
قد يكون من باب المفارقة أن التهديدات التي تواجه نحو ستة مليارات من البشر قد اختزلت في مصطلح "التطرف" الذي تحول إلى عنوان عريض تندرج تحته العديد من الأخطار والتهديدات والتحديات التي تواجه البشرية، ولكن أخطر مظاهر التطرف على الإطلاق ـ من واقع الأحداث والتجارب العملية ـ هو التطرف الديني والتطرف المناخي، أو إن شئت الدقة فقل التطرف المناخي ثم التطرف الديني والسياسي، على اعتبار أن الأول هو الأكثر تأثيراً في حياة البشر وفي حجم ما يخلفه من خسائر مادية وبشرية ومعنوية.
المفارقة أيضاً أن هناك قواسم مشتركة بين التطرف الديني والسياسي من ناحية والتطرف المناخي من ناحية ثانية، أولها أن "العدو" في الحالتين غامض وزئبقي ويداهم ضحاياه معتمداً على عنصر المفاجأة واستراتيجية "الصدمة والترويع" التي تروق بشدة للمتطرفين السياسيين في شن حروبهم وتوجيه ضرباتهم ضد الدول والأنظمة التي يرون أنها تمثل تهديداً وشيكاً على الأمن القومي لبلدانهم!! الإرهاب أيضاً يعتمد في جانب كبير من التخطيط لعملياته على توجيه الضربة غير المتوقعة في المكان غير المتوقع ضد الهدف غير المتوقع، وهكذا يفعل التطرف المناخي الذي فشلت معه مختلف أنظمة التنبؤ بالكوارث، فهو ـ شأنه شأن الإرهاب ـ يصعب التنبؤ بقوة أو ضعف ضرباته، رغم أن الدول أو المناطق الجغرافية التي يهددها تعرف مسبقاً خطره وحجم خسائره.
ثمة قاسم مشترك آخر بين التطرف المناخي والتطرف الديني، يتمثل في اختلاف المجتمع الدولي على سبل المواجهة وبلورة آليات مشتركة تحد من الخسائر وتسهم في احتواء الظاهرة، فالعالم المنقسم حول تطبيق "بروتوكول كيوتو" بشأن الاحتباس الحراري، والمنقسم أيضاً حول مسببات التطرف المناخي ويخوض منافسة صناعية تهدد في كثير من ممارساتها مناخ الأرض، قد أخفق بشدة في صياغة آلية دولية مشتركة لإدارة الأزمات العالمية والحد من الخسائر البشرية وتقديم يد العون إلى الدول والمناطق المنكوبة سواء بزلازل أو براكين أو أعاصير أو غير ذلك من الكوارث الطبيعية. وعلى المنوال ذاته، ينقسم العالم في رؤيته للإرهاب من عدة زوايا بعضها يتعلق بتعريف الظاهرة وتأطيرها كمفاهيم واصطلاحات بدقة قانونية تفصل بين الحق المشروع في المقاومة والدفاع عن النفس من ناحية وممارسة الإرهاب من جانب الدول والجماعات والأفراد من ناحية ثانية. وهناك أيضاً انقسام دولي حول سبل معالجة الإرهاب واجتثاث جذوره، فالبعض يفضل "القوة الصلبة" فيما يميل آخرون إلى "القوة الناعمة" أو بتعبير آخر البعض يفضل الحروب والمواجهة المسلحة، بينما يفضل فريق آخر المواجهة الفكرية واستئصال الظاهرة عبر اكتشاف جذورها التعليمية والثقافية في المجتمعات من دون استهداف مباشر لدين أو دولة أو مجموعات عرقية أو دينية معينة. وبين هذا وذاك يميل فريق ثالث إلى المزج بين هذين النمطين من المعالجة، بحيث "تتسلح" المجتمعات بالقوة وأيضاً بالأفكار وقوة الاعتدال في مواجهة التطرف سياسياً كان أو دينياً أو حتى رياضياً!.