ويبقى عام 2004 محفوراً حزنه في الذاكرة الإماراتية فهو عام وفاة الرئيس المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، ومثل هذه اللحظة التاريخية دقيقة ومهمة في مسيرة الوطن، فهي لحظة انتقال الأمانة من يد إلى أخرى بكل ما تحمله هذه الخطوة من معانٍ تشمل الاستمرارية والانقطاع في الآن ذاته. ويضعنا هذا الحدث الحزين ضمن الدول العربية التي تعيش مرحلة الانتقال الجيلي في القيادة، الانتقال من الجيل التاريخي بحكمته وخبرته إلى الجيل الحديث بديناميكيته وتطلعاته. وندرك جميعاً أن طبيعة التحديات القادمة سيكون بعضها مختلفاً في الفترة القادمة، ففي دراسة حديثة لوزارة العمل ندرك أن الأطفال الأقل من 14 عاما يمثلون نصف السكان المواطنين في الإمارات وفي هذه الأرقام خير مؤشر على ما نقول، فنحن أمام مجتمع شاب عرف أبناؤه الاستقرار والرخاء والازدهار من خلال الاتحاد ولا تقارن أغلبيته بين هذه الفترة وفترة صعبة تعود للماضي كما قارن الجيلان السابقان، وبالتالي فالتطلعات والتوقعات مختلفة بعض الشيء.
وفي العام المنصرم تابعنا العديد من التقارير الصحفية والدراسات والمؤتمرات، داخل الدولة وخارجها، والتي أشادت بالتجربة الإماراتية ورأت فيها حالة نجاح بارز في المنطقة العربية والإسلامية، والنجاح الإماراتي عبارة عن حصيلة تراكمية من العمل الوطني ووضوح الرؤية والانفتاح، ولعل غيرنا بدأ ينتبه لنجاحنا اليوم لأنه دخل مرحلة الازدهار، ومثل هذه الشهادات نستقبلها بالترحيب والتواضع والالتفاف حول قيادتنا السياسية والتي استطاعت من خلال تسامحها وجدها وتشاورها أن تبني بيئة جاذبة وحياة كريمة للمواطن.
ولعل الفترة القادمة ستشهد برنامجاً سياسياً يواكب البرنامج التنموي في الإمارات، وهناك توقعات متفائلة تستند إلى العديد من الخطوات والمؤشرات الإيجابية والتي تشير إلى أن عامنا هذا سيشهد حالة ديناميكية على صعيد المشهد السياسي، ولعل دخول العديد من العناصر الشابة، من الشيوخ والمواطنين، في مواقع المسؤولية الأولى يؤكد أننا أمام مثل هذا البرنامج، ونأمل أن يشمل البرنامج البعد المؤسسي الضروري للمرحلة القادمة، وفي مثل هذه المأسسة ترسيخ للتجربة الاتحادية المباركة، وخاصة أننا أمام مستجدات دولية وإقليمية واضحة وتحرك خليجي حثيث في العديد من الدول لتطوير شكل الدولة النفطية التقليدية. بطبيعة الحال لا يمكن أن يتم كل ذلك في 2005 ولكنني أرى أن هذا العام الذي دخلناه يمثل بداية برنامج القيادة الجديدة والشابة للدولة.
من جهة أخرى نجد أن المشهد الإماراتي في العام الجديد سيشهد استمراراً للنهضة العمرانية والأداء الاقتصادي المميز، فالعام الماضي شهد ازدهاراً غير مسبوق لأغلب القطاعات، وهذا الأداء الاقتصادي القوي عزز موقع الإمارات كلاعب إقليمي من الصف الأول. وتبقى بطبيعة الحال العديد من التحديات التقليدية والتي استمرت معنا وتعقدت منذ التأسيس وعلى رأسها تقلص نسبة المواطنين في خضم هذا البحر المحيط من العمالة الوافدة والمقيمين المستثمرين. فتشير أرقام وزارة العمل إلى أن 90% من منشآت القطاع الخاص يملكها أجانب، وتضيف دراسة أخرى لدائرة التنمية البشرية بالشارقة أن المواطنين يشكلون 10% من إجمالي القوى العاملة. وفي استطلاعات الصحف المحلية نجد أن توظيف الخريجين المواطنين يبقى في أولوية تطلعات المواطنين. وهذه الأرقام والحقائق والانطباعات تؤكد لنا المرة تلو الأخرى أن التركيبة الديموغرافية للبلد قد تغيرت للأبد. ولابد أن نشير إلى مجموعة من المقالات في الصحافة الغربية والأجنبية والتي تربط، وبكل خبث وسوء نية، بين ازدهارنا وبين ما تعتبره استغلال العمال الآسيويين برواتب متدنية وظروف عمل غير إنسانية. وبرغم أن البعض يعتبر موضوع خلل التركيبة حساساً وخاصة أننا في خضم ازدهار عمراني مميز إلا أن ذلك لا ينفي أنه يبقى مقلقاً ولا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهله.
ونحن ندخل العام الجديد نرى أن تجربتنا، ولله الحمد، تحمل الكثير من معاني الخير من شراكة بين الحاكم والمحكوم وسعي لرفاهية المواطن واهتمام حقيقي بتحسين الخدمات الاجتماعية والصحية وجهد مبذول لتطوير التعليم العام وتدريب الموارد البشرية، وفوق كل ذلك نبذ للتعصب لصالح التسامح والانفتاح مما جعل الإمارات واحة خير واستقرار، وندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفق رئيسنا صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان في سعيه الخير وأن تستمر مظلة الاستقرار والنمو وأن يبقى الطموح والإنجاز أهدافاً نتطلع إليها لرفع اسم الإمارات عالياً في مكانه اللائق.
وفي الختام أتمنى للقارئ الكريم سنة سعيدة وللوطن استمرار الإنجازات وسخاء العطاء وكل عام وأنتم بخير.