يقف السودان بعد توقيع اتفاق السلام في نيفاشا ''وقف إطلاق النار الدائم'' على عتبة مرحلة جديدة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان مبشرة وطيبة للشعب السوداني من شماله إلى جنوبه وشرقه وغربه بعد عقود طويلة من الألم والدم والنار والدمار دفع فيها السودان وشعبه الثمن غاليا جدا من مسيرته التنموية ودماء أبنائه·
بعد خمسة عقود من الحروب الأهلية بين الشمال والجنوب وبعد مشوار مليء بالدماء والاستنزاف يلتئم اليوم شمل أهل البلد الواحد في مسيرة قد تغير وجه السودان في غضون سنوات قليلة وتجعل من هذا البلد الغني بثرواته الطبيعية والبشرية نموذجا للنهوض والتنمية والازدهار، صفحة الحرب طويت دون رجعة، والاستنزاف المستمر الذي كان يبتلع ثروات السودان وأبنائه ويعرقل انطلاقه إلى آفاق جديدة انتهى، وستوجه هذه الطاقات والثروات لتنمية السودان بسواعد أبنائه والعبور إلى مرحلة جديدة أساسها النهوض والتنمية وتعويض ما فات خلال سنوات الفقر والحرب والدمار·
الرئيس السوداني عمر البشير لم يكن مبالغا عندما قال عقب توقيع الاتفاق: ''الآن اكتمل استقلال السودان''، فيما وعد زعيم الحركة الشعبية جون قرنق الشعب السوداني بتحول حقيقي في حياته''·
لا شك أن الاتفاق الذي قوبل بابتهاج كبير من أبناء الشعب السوداني وخاصة من أبناء الجنوب في الخرطوم الذين احتفلوا أمس الأول بتسيير مظاهرات حاشدة تعبيرا عن حالة الفرح، يضع السودان على أعتاب مرحلة جديدة وانطلاقة كبرى تؤهله لتعويض ما فاته خلال سنوات الحرب التي أكلت الأخضر واليابس، كما أثرت على علاقات السودان مع الأسرة الدولية وعلى العديد من الدول الأفريفية في القارة لا سيما وأن السودان الذي تصل مساحته إلى مليون ميل مربع يرتبط بحدود مع تسع دول أفريقية تتجه هي اليوم إلى مرحلة جديدة بعيدا عن النزاعات والحروب والخلافات المسلحة التي استنزفت القارة وثرواتها ومقدراتها والدخول في مرحلة جديدة أساسها الأمن والاستقرار والتفرغ لعمليات التنمية ومحاربة الفقر والمرض الأوبئة·
وقد لعبت الدول الأفريقية ''الاتحاد الأفريقي'' وجامعة الدول العربية والأسرة الدولية دورا مهما وبارزا في تحقيق اتفاق السلام في السودان وجعله واقعا ملموسا على الأرض وتوقيع اتفاق السلام في نيفاشا يعطي إشارة واضحة للدور الأفريقي في اتفاق السلام كما يعطي حضور رئيس جنوب أفريقيا ثابو مبيكي توقيع اتفاق السلام إشارة واضحة في هذا الإطار بل يضيف إليها نموذجا لدولة عانت من ويلات الحرب الأهلية ونظام الفصل العنصري ''الابرتايت'' لمدة تجاوزت الربع قرن أن السلام أمر ممكن فيما لو تم الاحتكام إلى العقل والعمل بجدية لخدمة هذا الهدف، والاتفاق السوداني يؤكد على هذه النوايا والاستفادة من التجارب السابقة ليفتح صفحة جديدة على المستقبل·