أمواج المحيط الهندي وضحاياها تعولم الصحافة الفرنسية


طغت على صحافة باريس الصادرة هذا الأسبوع التغطيات المحمومة للكارثة التي تعيشها دول جنوب شرق آسيا، وقد توارت معظم الشؤون الدولية الأخرى، وحتى المحلية إلى الصفحات الداخلية، وأحياناً الأعمدة المنسية، وفي العرض التالي نقرأ بعض الافتتاحيات والعناوين.


عولمة التضامن


تحت هذا العنوان جاءت افتتاحية صحيفة لوموند ليوم الخميس الماضي، وفيها خرجت لأول مرة هذا الأسبوع عن صدمة تغطياتها المحمومة لهول آثار الطوفان الآسيوي الذي تلا زلزال سومطرة يوم الأحد الماضي. وترى لوموند أن التغطية الإعلامية غير المسبوقة التي حظي بها الزلزال وما نجم عنه من كوارث، كانت أساساً بسبب وجود آلاف من الضحايا من السائحين الغربيين بين مئات الآلاف ممن قتلتهم الأمواج العاتية التي اجتاحت سواحل المحيط الهندي. وتساءلت الصحيفة إذا كانت عولمة العلاقات الإنسانية ممثلة أحسن ما يكون التمثيل في السياحة العابرة للقارات قد وحدت الإنسانية جمعاء في هذا المأتم العالمي. أليس من الأحرى أن يكون التضامن مع الدول المنكوبة عولمياً أيضاً، بحيث تتم ترجمة هذه الهبَّة العالمية من التضامن الآن إلى واقع ملموس وليس فقط مجرد أقوال تطلق الآن بفعل هول الصدمة ثم تختفي مع مرور الوقت؟ واستدلت لوموند على عدم التزام الدول الغنية بتعهداتها في مساعدة المنكوبين في كوارث طبيعية، بما وقع بعد زلزال مدينة "بام" الإيرانية قبل سنة تقريباً، حين أعلنت الدول المانحة عن تخصيص مساعدات لإعادة بناء المدينة بلغت مليار دولار، ولكن لم يتم الوفاء فعلاً سوى بمبلغ 17 مليون دولار من كل ذلك. والأدهى من هذا كله أن جهود الدول الكبرى في مثل هذه المواقف الإنسانية ضعيفة مقارنة مع جهود المنظمات غير الحكومية، على قلة إمكاناتها. واختمت لوموند افتتاحيتها بضرورة العمل على خلق أطر دولية لتنظيم العمل الإغاثي والإنساني في مثل هذه الحالات، وخاصة أن الأمم المتحدة تستطيع عمل الكثير في هذا المجال.


 أما صحيفة لوفيغارو فقد عنونت افتتاحيتها لنفس اليوم "درس جنوب شرق آسيا"، وذهبت فيها إلى أن ما حصل في دول المحيط الهندي يعد في حد ذاته درساً لا يجوز تفويته وسط الإحساس بهول الكارثة، واستسلام المفجوعين للدموع. فبغض النظر عما يمكن قوله عن قسوة الطبيعة من فيضانات وأمواج عاتية عمياء وزلازل وغيرها فإن كل ذلك لا يخلي مسؤولية الإنسان من التسبب في الكارثة. ذلك أن معظم الدول المنكوبة تعتمد بشكل كبير على صناعة السياحة بما تعنيه من تخريب للشواطئ وتدمير للتوازن البيئي والطبيعي وتجاهل لأبسط مقتضيات السلامة والأمان. كما أن الانفجار الحضري والسكاني لهذه الدول له دور أيضاً في مضاعفة هول الكارثة. ويضاف إلى كل ذلك تخلف معظم هذه الدول الذي جعلها غير قادرة على خلق نظام إنذار وحماية كذلك الذي تتبعه دول المحيط الهادي المتقدمة. وتخلص لوفيغارو إلى ضرورة تكاتف جهود المجتمع الدولي لمواجهة قساوة الطبيعة ولعل خير طريق لذلك هو إجبار واشنطن وبقية الدول الكبرى على الانضمام إلى اتفاق كيوتو لمواجهة الإحماء الحراري، وغيره، فهذا هو الدرس العملي الذي يجب تعلمه من طوفان المحيط الهندي، تقول الصحيفة.


ورشة محمود عباس


جان بول بييرو اختار هذا العنوان لافتتاحية صحيفة لومانيتيه ليوم الجمعة (أول من أمس)، وفيها يعود مع الزمن أربع سنوات إلى الوراء مستعرضاً حصاد الانتفاضة الفلسطينية الثانية. ويأمل بييرو أن تشهد سنة 2005، التي بدأت أمس، ظهور فرص أمل سلام حقيقية، تمكن الفلسطينيين والإسرائيليين من بناء "سلام الشجعان"، وتبادل التحية وعلاقات التعاون والجوار بدل الرصاص والعداوة. ويرى الكاتب أن كل الأنظار الآن متجهة إلى محمود عباس باعتباره المرشح الأوفر حظاً لخلافة عرفات في رئاسة السلطة الفلسطينية. فعباس، ليس ياسر عرفات الذي ظل شارون، وبتواطؤ من إدارة الرئيس بوش، يتخذه ذريعة لعدم العودة إلى طاولة المفاوضات. هذا إضافة إلى أن عباس أيضاً سيصل إلى الرئاسة بطريقة ديمقراطية يصعب التشكيك في شرعيتها، أو في شرعية تمثيله للشعب الفلسطيني. ولذا فإن على إسرائيل، التي تمكن فيها شارون من سحب بيريز إلى صفه، أن تعرف الطريقة التي ستتعامل بها معه. كما أن على عباس أيضاً في المقابل ألا يستسلم للأوهام، وذلك لأن شارون، هو شارون، ولن يتحول بين عشية وضحاها إلى حمامة سلام. ومن هنا، يقول الكاتب، تبدو صعوبة إعادة ترتيب محتويات الورشة التي سيتعين على محمود عباس أن يزاول فيها عمله بعد التاسع من يناير الجاري. إذ عليه أولا أن يكرس انتصار حركته "فتح" في الانتخابات، وهو احتمال شبه مؤكد، وتدفع نتيجة الانتخابات البلدية الأخيرة إلى الاقتناع به. وعليه في المقابل أن يحاصر الإسرائيليين بضغوط المجتمع الدولي لكي يعودوا إلى