هنالك توجه رسمي وشعبي في الكويت اليوم نحو الانكفاء إلى الخلف إذ أصبحت السياسة الرسمية للدولة هي إرضاء تيارات الإسلام السياسي مهما كانت المطالب حتى وإن كانت هذه المطالب مخالفة للدستور والقانون. فالمجتمع الكويتي المنفتح والمعتدل في توجهاته الدينية العامة تتم تعبئته وتسييسه من قبل السلطة وجماعات الإسلام السياسي لرفض سياسات الانفتاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وكل ما هو آت من الغرب من فكر تحديثي وكل ما يتعلق بالعدالة والحريات والمساواة وحكم القانون واحترام حقوق الإنسان والأدلة على هذا التوجه الحكومي الجديد كثيرة ومتعددة. منها مثلا سكوت الدولة على البيانات والمناشير وفتاوى جماعات الإسلام السياسي من إخوان مسلمين وحركة سلفية التي تدعو إلى مقاطعة احتفالات إخوتنا المسيحيين في كل أرجاء المعمورة. كما تدعو الفتاوى إلى عدم تحيتهم وتهنئتهم بعيد ميلاد سيدنا المسيح. هذه الجماعات تمادت في غيها وعدم احترامها للقوانين حيث قامت مجموعة منهم بمداهمة أحد الأسواق المركزية في منطقة الجهراء وطلبت من المسؤولين في السوق عدم بيع أشجار الميلاد والزينة الكهربائية وبطاقات المعايدة وغيرها من مستلزمات الاحتفال بقدوم السنة الميلادية الجديدة. الحكومة لم تتخذ أية خطوات لردع هؤلاء رغم التحذيرات الأميركية للكويت من عمليات إرهابية متوقعة.
الحكومة لم تغيير سياساتها القديمة بالتحالف مع تيارات الإسلام السياسي، بل اتخذت سياسات جديدة تدفع باتجاه التطرف والغلو في الدين وتقود تدريجياً إلى "دروشة المجتمع" وتهيئته لقبول القوانين والتشريعات الإسلامية التي تطالب بها الجماعات الدينية بدلا من الالتزام بالقوانين والدستور. ففي محاولة من الحكومة لكسب الأحزاب والحركات الدينية في مجلس الأمة حتى لا يتم استجواب وزير الإعلام محمد أبوالحسن، اتخذت الحكومة عن طريق وزارة الإعلام خطوة مفاجئة للجميع بإعلام الوزارة لأصحاب المطاعم والفنادق بعدم إقامة حفلات في رأس السنة الميلادية ومنع الغناء والموسيقى الحية. وبذلك خضعت الحكومة لتهديدات وابتزازات نواب مجلس الأمة الذين ينتمون إلى التيار الديني لأن هؤلاء النواب يريدون استجواب وزير الإعلام حول البرامج الدينية في الإعلام الرسمي ومسائلته حول سماحه لبعض المطربين بإحياء حفلات في الكويت.
الحكومة بتحالفها ولقاءاتها مع قيادات الإسلام السياسي من سلف وإخوان تتجه تدريجياً إلى إفراغ الدستور من محتواه والاتجاه بالمجتمع إلى الدولة الدينية، تحكمها الشريعة بدلاً من الدستور والقانون. السؤال هنا لماذا تحاول الحكومة إرضاء هذه الجماعات الدينية على حساب الدستور الكويتي ومصالحها على المدى البعيد، حيث ستعرض مصالحها ومصالح حليفتها الولايات المتحدة للخطر.
ليس هناك سبب واضح لاتجاه الحكومة غير العقلاني سوى اعتقادها الخاطئ بأن سياستها هذه سترضي حلفاءها الإسلاميين لكي يقفوا معها ضد التيار الليبرالي أو القومي. الحكومة بهذه السياسة تحفر قبرها بيدها، فالأحزاب الدينية تعي تماماً ماذا تريد أن تفعل. فهذه الجماعات لديها تنظيماتها وقواعدها وتمويلها وأنصارها وهم يتحالفون مع الحكومة لتحقيق مطالبهم وزيادة نفوذهم السياسي في المجتمع. فهم استطاعوا احتواء الدولة بدلاً من أن تحتويهم الدولة. وما يحدث اليوم في السعودية أفضل مثال على تقريب وإرضاء الجماعات الدينية.
مشكلة الحكومة الكويتية أن سياسات الانكفاء والقوقعة على الذات تأتي في عصر العولمة والانفتاح الحضاري مع البشرية كلها. إن التعايش والمحبة والتسامح هي السياسات المطلوبة في عصر العولمة ولا يستطيع أحد وإن كان من الكويت أن يغلق أبوابه على نفسه وأن يعيش منعزلاً في عالمنا المعاصر.