في الوقت الذي تصرُّ فيه كل من إدارة بوش والحكومة العراقية بالإضافة إلى آية الله علي السيستاني على ضرورة إجراء الانتخابات الوطنية في موعدها المحدد في يناير المقبل، يطالب تحالف السنة العرب بضرورة تأجيلها. ويبدو أن من المرجح أن هذه الانتخابات سيصار إلى تأجيلها أو تعليقها في الوقت الراهن. ولكن ما زال من الممكن تجنب هذا الصدام عبر تسوية مقبولة تفضي إلى إجراء انتخابات الحكومات المحلية متى وأين ما كان ذلك ممكناً.
وبصرف النظر عن النجاح الذي تحقق في إعادة احتلال الفلوجة فإن الحرب ما زالت تتأجج والغضب يشتعل في معظم أقاليم الدولة السنية. لذا فإن تنظيم الانتخابات هناك خلال فترة شهرين من الآن يعتبر ضرباً من الوهم والخيال. ومع أن البعض قد اقترح المضي قدماً في إجراء الانتخابات في جميع المناطق الأخرى بعد استثناء المناطق السنية إلا أن العراق ليس الدولة التي تنتخب نوابها حسب المنطقة كما يحدث في انتخابات الكونجرس في الولايات المتحدة الأميركية بل عبر اقتراح موحد ينتظم كامل الدولة يتم فيه تخصيص المقاعد على أسس نسبية. لذا فإن فكرة ادخار عدد تقديري من المقاعد للمناطق التي يصعب فيها إجراء الانتخابات لن تنجح. وإضافة إلى ذلك وبسبب أن البرلمان سيلتئم كجمعية وطنية تناط بها صياغة الدستور الدائم للبلاد فإن السنة العرب لن يتم استبعادهم فقط من ممارسة الحياة السياسية المباشرة وإنما أيضاً من الإدلاء بدلوهم في تشكيل الدولة على المدى الطويل. وهو الأمر الذي سيؤدي بشكل حاسم إلى تحييد ذلك الجزء من التعداد السكاني الذي يعاني أكثر من غيره من عمليات الفوضى والعصيان المسلح.
على أن تأجيل كامل العملية الانتخابية أمر غير مقبول أيضاً، حيث إن من المرجح أن يؤدي هذا الأمر إلى إغراء وتشجيع المتمردين بالإضافة إلى إثارة غضب الشيعة الذين ينظرون للانتخابات كفرصة سانحة لممارسة السلطة السياسية في نهاية المطاف. وفي بحثها عن حل لهذه المعضلة آثرت إدارة بوش اللجوء إلى القوة (بهدف تهدئة المناطق التي يسيطر عليها المتمردون بحلول يناير) وتارة أخرى إلى الحيلة والتذرع (مدعية أن وجود السنة العرب كمرشحين في الانتخابات مرهون بوجودهم كناخبين في المستقبل). وأعتقد أن كلتا الفكرتين تفتقد إلى العقلانية والمنطق. إذ من غير المقبول أن تأمل في أن يتم إجبار الناخبين على تسجيل أسمائهم بقوة السلاح وأن تفترض أنهم يمثلون من قبل نواب لم يصوتوا لهم في الأصل. إذن فالأمر يحتاج إلى مداخل بديلة وبخاصة فيما يتعلق بإعادة قراءة التفكير الأميركي الذي ظل يركز على بغداد طوال فترة المغامرة.
لقد ظلت الأولوية القصوى لقوات الاحتلال تنصب على ضرورة أن يشعر العراقيون بمصداقية تمثيلهم في المجالس المحلية والبلدية وأن هذه المجالس ستوفر لهم الخدمات الأساسية الحيوية. وهذا ما لم يحدث حيث ظل المسؤولون الأميركان يرفضون فكرة ترك العراقيين يختارون ممثليهم بحرية مخافة أن تقع السلطة في أيدي المتطرفين الإسلاميين وأن نقل المزيد من السلطات إلى ممثلين محليين أكثر شرعية سيؤدي إلى الانتقاص من سلطاتهم هم. والنتيجة أن المواطنين في هذه المناطق ظلوا يفتقدون إلى الخدمات التي يستحقونها تماماً كما افتقدت السلطة المركزية والسلطات المحلية على حد سواء الشرعية المطلوبة لتوحيد العراق والعراقيين.
وإذا ما أريد للأمور أن تتحسن فإنه يتعين على قوات التحالف وحلفائها من العراقيين التركيز على المحيط بدلاً من المركز عبر تشجيع الانتخابات المحلية عوضاً عن التخوف من إجرائها والإسراع إلى نقل السلطات إلى تلك المناطق المهمشة. ومن الضروري أن تتم مناقشة أمر تأجيل انعقاد الانتخابات الوطنية من قبل مبعوث خاص للأمم المتحدة قبل أن تتم الموافقة عليه من قبل مجلس الأمن. ولكن التأجيل لن يتمخض عن كارثة كما يتوقع البعض في حال مضي الدولة قدماً في إجراء الانتخابات الخاصة بالمجالس المحلية، بل إن الأفضل إجراء هذه الانتخابات في أكثر عدد ممكن من المناطق في يناير القادم بينما تجرى بشكل تدريجي في المناطق المتبقية متى ما سمحت الظروف الأمنية بذلك. ولا يجب إجراء الانتخابات الوطنية إلا بعد أن تفضي الانتخابات المحلية إلى مجالس محلية شرعية في جميع المناطق المتبقية.
وعلى المدى القصير أعتقد أننا لن نخسر الكثير إذا ما تم إرجاء الانتخابات المحلية في بعض المناطق السنية بل من الممكن تحقيق العديد من المكتسبات إذا تم استغلال هذه الفترة في وضع استراتيجية تهدف إلى اجتذاب السنة إلى داخل العملية السياسية. وبالطبع فإن هذه الفكرة لن تصادف النجاح في حالة عدم قبولها من الشيعة. ولكن من الممكن تقديم حوافز لهم عبر التأكيد على حق المغتربين العراقيين (وأغلبيتهم من الشيعة) في التصويت حال إجراء الانتخابات الوطنية. أما الأهم من ذلك فيجب منح المجالس المحلية سلطات حقيقية بحيث تسمح لأكبر عدد ممكن من العراقيين بممارسة الحكم الذاتي. وبالطبع فإن المجالس المحلية ستحتاج إلى منحها الإشراف علي الميزانية وتدفقات